لماذا يبدو الطفل سعيدا ، يعلو وجهه البشر و يسكنه الحبور ؟.. لأنه لايدرك الكثير …
ولماذا يعلو الهمّ وجه الكهل ، يستوطنه الشجن و تسبح في مآقيه البحور ؟.. لأنه أدرك الكثير …
وما بين براءة الطفولة وجفاف الكهولة مجاهل ُ شتّى يمر بها كافة البشر .. ولكن كلٌ يدرك بقدْر …
فالإدراك يرتبط بمدى عمق الوعي ..والوعي لايحكمه معيار ..فالعبقري ليس فائق الإدراك بالضرورة ..
والمعوَق ليس فاقد الوعي بالإلزام ..
سبحان خالق هذا الزخم .. لازلنا نحبو لتعريف المفاهيم والمصطلحات .. ومانيقنه فقط أن
صاحب العقل يشقى بعقله .. وأخا البلادة في الجهالة ينعمُ ..
ذلك الوعي الذي يلازمه حسٌ عالٍ يأسر صاحبه في بحيرة من التنبه تتدفق مياهها من ينبوع
الإحساس المرهف.. حسّاً لجيناً كبريق الماس .. ولكن من يميز الماس عن الزجاج ؟!
أيامٌ ..شهورٌ .. و أعوام .. تحفر وصمتها على جباه و وجوه فتظهر خطوط العجز ..
وبالداخل تشق الأحزان أخاديد من ألم تعًبأ بأرق الليالي وخيبة الآمال . .. ولكن أنَّى لأخاديد
النفس بعلاجٍ تجميليّ قبل معالجة خطوط تجاعيد البشرة .. أين نحن من ترميم الداخل قبل
تزيين الأقنعة؟!!
ذكرٌ .. وصلاة .. وقرآن .. ونقاء نفس .. وأمل .. تلك هي التركيبة الخماسية المكونات لبلسم الجرح الداخلي ..
فالحقد يزيد الجروح التهاباً .. واليأس يسد منافذ التهوية ليبرأ ويطيب …
أولا أزيدك عنصراً سادساً ..
إبتســــــــــــــــــــم … فالإبتسامة كالكلمة الطيبة صدقة والصدقة تطفئ غضب الرب …
والقلب يجف إن لم تصاحب نبضاته ابتسامة حقيقية تفتح نافذة لدفء شعاع النور لينفذ لأعماقك
اعمل على أن تكون واعياً … مدركاً … ولكن إحذر أن يكون إدراكك .. قاتلك ! فالوعي
مارد يتعملق في فكرك و وجدانك يتغذى على ماتتيحه له من معارف و مفاتيح للفهم .
كلما أدركت فهمت و كلما فهمت علمت و متى علمت تقلص جهلك و ارتقى فكرك و نمت
سعادتك ، ولكن ذات الوعي الذي يمنحك سعادة لاتوصف ولذة لم تسبق قد يسبغ عليك ثوباً من
ألم .. لابأس .. تألم.. فمن توصيف هويتك البشرية أن تكون مخلوقاً يتألم ..
فقط قل لي كيف تتألم أقل لك من أنت … بل اخبرني كيف تؤلم غيرك لأخبرك كم أهدرت من آدميتك …
الوجع ياسادة لايسيل في قطرات الدم الساخنة بشظية بارود …
كما أنه لاينسكب بإراقة ماء الوجوه حين الإهانة …
بل الوجع لايأتي في خسارة المال والوهاد من الأرض …
ولايتدفق في حال ذبح طائر … ولاجرح طفل … ولاتلويث بحيرة صافية … ولاحتى آهة مريض يتألم …
كل ذلك وجع .. ولكن أتدرون ما الوجع الذي لايشبه أي وجع ؟
أن تثق غافلاً بقلب وتصحو..
لتجد بدلاً من القلب .. حجر ..
أن ترنو بصفاءٍ لعين فإن حدقت ..
تارةً أخرى .. فوجئت بعين زجاجٍ .. لابشر ..
أن تضحك من الأعماقِ لوهمٍ ..
وتعبس لتلمس قناعاً فوق وجهٍ مستتر ..
أن تغفو في دفء النوايا …
وبثوانٍ .. يوقظك جليدُ قاسيُ ..كالصخر
أن تتخذ الآخر ظلاً و فَيًاَ …
تفرش العشب .. بغية البرد ونور القمر
وماتلبث الغيمات أن تنقشع … وماتفتأ الأفياء أن ترتفع … ومايلبث الحلم الجميل أن ينقطع
ذاك هو الوجع …
فإن كنت صديقاً لاتخن ، وإن كنت محباً لاتغدر .. وإن اتخذك أحدهم وطناَ ..لاتفاجئه بغياب
وصمت وإلا فإنّ صمتك قاتله !
أفلا أنصحك بما يبقيك حياً و إن قتلك أحدهم … لاتنحني .. إما أن تقف صامداً كشجرة معمرة
أصلها ثابت و فرعها في السماء ، وإما أن تجلس لهنيهة تلتقط فيها أنفاسك و تسترد خلالها
عزيمتك وتملأ ثنايا صدرك بهواء نقي يزود خلاياك بوقود يدفعك لتقف تارة أخرى..
تـــــــــــــــــــــذكّر … بأنّ الشجر الشامخ يموت …. واقــــفــاً !
د. فاطمة عاشور
(ملاحظة : جميع الأبيات الشعرية المتضمنة في مقالات الكاتبة هي من قريحتها الأدبية )