يظن اليهود الذين يقولون أن الله فقيرٌ وهم أغنياء، وأن عزيراً هو ابن الله، وأن يد الله مغلولة، والذين طلبوا من نبيهم موسى أن يروا الله جهرةً ليستقر الإيمان في قلوبهم، والذين تخلوا عن نبيهم وقالوا له اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، والذين قتلوا الأنبياء وذبحوا المرسلين وكذبوا بالحق المبين لما جاءهم، أنهم أقرب إلى الله عز وجل من الفلسطينيين، وأكثر إيماناً وصلةً به سبحانه وتعالى منهم، وأنهم يعرفون طريق الله أكثر منهم، ويعبدونه على حقٍ خيراً منهم، وأن “ربهم” قد أمرهم أن يقتلوا الفلسطينيين وأن يعذبوهم، وأن يستخدموهم ويذلوهم، وأن يتخذوهم مطايا لهم يخدمونهم، أو حميراً لهم يركبونهم، ويوحي ربانهم وحاخاماتهم لبعضهم بعضاً أن دم الفلسطيني وكل عربي حلال، وأن سفكه ليس حراماً، إذ لا حرمة للفلسطيني الذي لا يحترم “إلههم”، ولا يوقر “ربهم”، ولا يقدر تعاليم دينهم وإرشادات تلمودهم.
اليهود عموماً والإسرائيليون منهم على وجه الخصوص يرون أن العرب والفلسطينيين عصاة، وأنهم يخالفون تعاليم “الرب” ويعصون أوامره، ويعارضونه ويعملون على الضد من إرادته، إذ يرفضون وعد “الرب” وينكرونه، ويعصون أوامره ويخالفون وصاياه، ويبدلون كلماته ويغيرون أحكامه، ويعتدون على “شعبه المختار” ويقتلون “أبناءه الذين اصطفاهم دون سائر الناس”، فاستحقوا بذلك العقاب منه ومن عباده، وحقيقٌ بهم أن يقتلوا وأن يشردوا، وأن ينزل بهم عقاب “الرب” العادل، وليس أولى من اليهود بــ”الرب”، ينفذون كلمته، ويستجيبون إلى إرادته، ويوقعون العقاب على من خالفه، ولا يترددون في قتل من اعترض على مشيئته.
هذا ما يؤمن به اليهود ويعتقدونه، ولا يترددون في التعبير عنه وبيانه، ويستنكرون من يخالفه ويعلنون الحرب على من ينكره، ولعل الحكومة الإسرائيلية وقيادات الكيان الصهيوني يشعرون بالرضا عن هذه الفتاوى ويرحبون بها، ولا يستنكرونها أو يتبرأون منها، إذ يروجون لها ولا يحاسبون من يقول بها أو يدعو إليها، فهذا الإرهابي عوفر فنتور المسؤول عن مجزرتي رفح وخزاعة إبان العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة صيف العام 2014، والذي رفِّعَ إلى رتبة عميد، يقول في المحكمة وأمام القضاة “أنهم يقتلون الفلسطينيين لأنهم يسبون رب اليهود، ويعتدون على إله إسرائيل”.
أما دوف ليئور حاخام مستوطنة كريات أربع فيدعو جيش كيانه إلى تخريب غزة كلها “من أجل القضاء على العدو”، ولو لم يكن أهلها من المحاربين ولا يشكلون خطراً على كيانهم، ويرى ليئور أن هذا الحكم مستمدٌ من التوراة، التي هي “مرشدنا في الحياة”، فالأعداء إنما يحارب “الرب” قبل أن يحاربونا، ويرون أن قصة المجزرة التي تعرض لها “شكيم بن حمور” والتي وردت في سفر التكوين، ما يشير إلى أن ذبح الأعداء جميعاً واجبٌ، بل إنه السبيل لرضا “الرب”.
ويرى الحاخام “يسرائيل روزين” وهو أحد أهم مرجعيات الإفتاء اليهود، وجوب تطبيق أحكام “الله” في الفلسطينيين، حسب ما جاء في التوراة التي نصت على وجوب قتل الرجال والأطفال وحتى الرضع والنساء والعجائز، وجواز سحق البهائم، من أجل الحفاظ على “أبناء الرب”، الذي قال في مزاميره “سوف أواصل مطاردة أعدائي”، وورد في التوراة أن النبي صموئيل أمر الملك شاؤول استجابةً إلى أوامر “الرب” بذبح أعداء إسرائيل عن بكرة أبيهم”.
وأكد الحاخام الصهيوني الأكبر لمدينة صفد المحتلة شموئيل إلياهو، أن قتل الفلسطينيين والانتقام منهم هو “فريضة دينية يدعو إليها التوراة”، ووصف الفلسطينيين بالوحوش، وأن “الانتقام من هؤلاء فريضة تنص عليها التوراة”، أما كبير حاخامي السفارديم الحاخام إسحق يوسف، فيقول إن قتل الفلسطيني حلال، وهو أمرٌ نتقرب به إلى “الرب”، الذي أمر بذلك، أما حاخام شاس السابق عوفاديا يوسف فقد قال “إن الدين اليهودي يحث على التخلص من كل من يسكن فلسطين، وأنه جاء في التلمود “إذا دخلت المدينة وملكتها فاحرص على أن تجعل نساءها سبايا لك ورجالها عبيداً لك أو قتلى مع أطفالهم”.
وفي دراسة صادرة عن قسم العلوم الاجتماعية بجامعة بار إيلون الإسرائيلية، أشارت إلى أنّ “أكثر من 90% ممن يصفون أنفسهم بأنهم متدينون، يرون أنه لو تعارضت الخطوات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية مع رأي الحاخامات فإن الأولى تطبيق رأي الحاخامات”، كما ذكرت الدراسة أن “أكثر من 95% من الجنود المتدينين أكدوا أنهم لا يمكنهم الانصياع لأوامر عسكرية تصدر لهم دون أن تكون متسقة مع الفتاوى الدينية التي يصدرها الحاخامات والسلطات الدينية”.
أما من قتل يهودياً أو اعتدى عليه فكأنما ضرب “الرب” أو اعتدى عليه، ولهذا فهو يستحق القتل، ودمه مستباح، ومخالفٌ لأوامر “الرب” من يتركه حياً، أو يتردد في قتله، أو يجبن عن سفك دمه، بل يجب على اليهودي أن ينصر اليهودي الآخر وينتقم له، ولعل هذه الفتاوي تفسر لنا إقدام الجنود الإسرائيليين على قتل الفلسطينيين بدمٍ باردٍ، وإعدامهم في الشوارع والطرقات دون أن يشكلوا عليهم أي خطر، وإقدام المستوطنين على دهسهم وصدمهم أو إطلاق النار عليهم، قبل إقدام المحاكم العسكرية على تبرئتهم وعدم إدانتهم، كونهم لم يخالفوا تعاليم “الرب”، بل أطاعوه إذ نفذوا أوامره.
يعتقد كثيرٌ من حاخامات اليهود أن إله مكة “الله” الذي يعبده الفلسطينيون والمسلمون، يختلف عن إلههم “يهوه”، الذي يؤمن به اليهود، ويرون أنه أقوى من “إله” العرب، وهو الذي سينتصر عليهم، وهو الإله المحارب معهم، وهو الذي منحهم هذه الأرض، وأكرمهم بها وبارك لهم فيها، فلا يجوز لأحدٍ أن يفرط فيها، أو أن يتنازل عن جزءٍ منها، فهي أرض “الرب”، وعلى الفلسطينيين أن يحترموا إرادة “يهوه” أو “أولاهيم شيلانو”، وإلا فإن لعناته ستتنزل عليهم، وسيحل عليهم سخطه وغضبه.
الله سبحانه وتعالى واحدٌ أحدٌ، فردٌ صمدٌ، عدلٌ حكمٌ، برٌ حقٌ، سلامٌ رحمنٌ رحيمٌ، جوادٌ كريمٌ، عادلٌ لا يظلم، معطي لا يمنع، ومنَّانٌ لا يقطع، وسميعٌ لا يصد، ومجيبٌ لا يرد، وقريبٌ غير بعيدٍ،إلهنا جميعاً ورب الخلائق كلها من لدن آدم عليه السلام إلى قيام يوم الدين، نؤمن به وحده ولا نشرك معه أحداً، ونعبده سبحانه وتعالى مخلصين له الدين، ونستعين به جلَّ وعلا دون سواه، ونعوذ به جلَّ شأنه وهو السميع العليم من شر الضالين الظالمين من بني إسرائيل ومن شيطانهم الرجيم.
د. مصطفى يوسف اللداوي