شهدت دورة حياة التعليم بشكل عام العديد من التطورات، منها إستبدال السجادة بالحقيبة المدرسية لحمل الكتب، مرورا باستخدام الطباشير الملونة، و تجديد المناهج واستخدام التقنية (نوعا ما) وغير ذلك من التغييرات،إلا أن هناك بعض الثوابت لم يطلـْها التغيير(حتى الآن) ومن ضمنها (عريف الفصل)، هذا المنصب الذي يتنافس الطلاب للفوز به مع بداية كل عام أو فصل دراسي، وأزعم أنه أول (منصب سلطة) يتنافس عليه البشر.
كان رائد الفصل وقبل بدء مراسم إختيار العريف يضع شروطا صارمة لنيل هذا المنصب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: *الانضباط الأخلاقي*، *التفوق الدراسي*، *القبول والمحبة* لدى الإدارة (الأقلية) أولا، ثم بين معظم طلبة الفصل( الأغلبية).
كنا نتساءل كطلبة عن السبب وراء ذلك التنافس الشديد على منصب (العريف)، أذكر أن بعض من تنافسوا على هذا المنصب الرفيع أجابوا حينها بأنهم يسعون لتطبيق النظام في الفصل مما يسهم في تطوير العملية التعليمية، والبعض الآخر ادعى أنهم يريدون خدمة بقية الزملاء لخلق بيئة مدرسية مناسبة، وفريق ثالث رد بتواضع (جم) نحن (لا نريد) المنصب ولم نسع إليه بل رائد الفصل (كلفنا) به.
واكتشفنا لاحقا بأن (العريف) له امتيازات لا حصر لها، فالمنصب يمنحه الحق ليكون على تواصل مع أصحاب السلطة في المدرسة، كالمدير والوكيل والمشرف ورائد الفصل وبقية أعضاء هيئة التدريس وأحيانا قد يتجاوز بعض الأنظمة المدرسية فهو(العريف).
وقد أضافت عملية ترشيح واختيار (عريف الفصل) الكثير من الخبرات لنا كطلبة،اكتشفنا أن رائد الفصل قد يتجاوز عن بعض الشروط الصارمة، ليعين عريفا ليس بالضرورة هو الأفضل خلقا بين أقرانه، بل ربما يكون أكثرهم إهمالا وإزعاجا، (فيمنحه) رائد الفصل هذا المنصب حتى يكبت إزعاجه (ويكتفي شره).
تعلمنا أن رائد الفصل بإمكانه أن يكون ديموقراطيا، فيسمح لنا باختيار العريف بناء على تصويت الطلاب، وعندها ينقسم الفصل إلى أحزاب وتكتلات، ويتكاتف الزملاء مع بعضهم ضد بعض حتى ينجح زميلهم المرشح ليتمكنوا فيما بعد من السيطرة على بقية الفصل من خلال العريف الذي اختاروه، وبالتالي يحق لهم مطالبته بمكافأة على مساندتهم بأن يغض الطرف عن تجاوزاتهم داخل الفصل، وعدم إبلاغ الإدارة عن أخطائهم، وأحيانا قد يلصق تلك التجاوزات بطلاب آخرين!، وبإمكان رائد الفصل أيضا أن يكون ديكتاتوريا فيتدخل ويفاجئنا بتعيين العريف السابق الذي كان أداؤه سيئا في الفترة السابقة، ولم يكن له أي إنجاز، ومع هذا يعاد اختياره أو يعين علينا عريفا بدون شروط أو تصويت ليكون عينا له على الطلاب.
إلا أن أكثر عبرة و عظة خرجنا بها من عملية اختيار العريف هي أننا لاحظنا وجود نوع من الطلبة لا يهتم أبدا بما يدور في الفصل من حرب حول منصب العريف، ولا يحتاج إلى تكتلات أو ترشيحات، فهو على يقين بحصوله على المنصب، إما لكونه ابن مسؤول كبير أو من أقارب رائد الفصل أو المدير أو أحد أعضاء هيئة التدريس، وهذا (العريف المستقل) ينطبق عليه قول الشاعر:
أتته (العرافة) منقادة إليه تجرر أذيالها
فلم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها
*قبل الختام*
أخبرني عريف قديم ظل محتفظا بمنصبه خلال المراحل التعليمية الثلاث (إبتدائية – متوسطة – ثانوية) بأن الحياة ما هي إلا فصل كبير.
عبدالإله الشريف