قصة قصيرة
أثناء سيري في شارع التحلية التقيت بفارس ملثم يمتطي صهوة حصان أشهب , وحين اقتربت منه عرفت أنه عنترة بن شداد العبسي ! قلت: أما تزيح اللثام يا عنترة ؟ ظهر وجهه عابساًَ مكفهراً , أصبت بالرعب خشية أن تمتد يده إلى سيفه الصقيل , إذ قال صديقه لي : إذا شاهدت الشرر تقدح من عيني عنترة , فابتعد .
إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث, الحصان يسير بتراخ شديد , يبدو أنه أنهك حين قطع الصحاري الواسعة , كما أن عنترة نفسه أصابه التعب الشديد والجوع الذي يجعله فقط يفكر في ملء بطنه , أزاح عنترة جسده الضخم من على صهوة حصانه الذي انقاد معه ليربط خطامه في عمود إشارة المرور , لم يبال عنترة بصفير إطارات السيارات التي مرت بجواره .. جال ببصره وشاهد مطعماً في الجانب الأيمن من الشارع , ومضت قدماه نحوه , قعد على منضدة زرقاء اللون منتظراً وجبة الغداء , التفت الجالسون عند سماع نحنحة عنترة , مر بجواره الجرسون الأسيوي, ولم يأبه بعنترة ! وبعد فترة انتظار جاء الطلب : (ساندويتش بالربيان مجلل بالمايونيز والكاتشب ), رمى به بعد أن تذوقه , زاد عبوسه وغضبه , وقبض على سيفه , وهزه عدة هزات مسبباً صلصلة , ضحك الجالسون ! أحدهم كان أمامه صينية بيضاء مليئة بحبات الزيتون الأسود , أخذ واحدة , ورشق بها عنترة , ارتفعت جلبة الضحك خرج عنترة من باب المطعم وكان لسانه يرشق بعبارات الشتم لصاحب المطعم , إذ لايوجد لديه أكل يناسبه , وبعد أن شاهد العديد من لوحات النيون سره صورة ملونة لصحن كبير مليء بالأرز واللحم, دلف إلى المكان بخطا سريعة , وبدأ يلتهم الطعام بنهم حتى امتلأ بطنه .خرج مسروراً أثناء سيره شاهد محلاًّ تجارياًّ في الجانب المقابل ومد قدميه على صفحة الإسفلت .. وحين قطع الشارع أصيب برغبة عارمة للون الدم هز سيفه ,التمع مع شعاع الشمس , مر بجواره طفل يرغب تصوير حركة عنترة بكاميرا الجوال , التقط الصورة بكاملها , وانصرف الطفل مسروراً.
اندهش عنترة حين لمح صورة تملأ مساحة شاشة كبيرة ملونة وراق له أن يعيد تلك الحركة انعطف إلى المحل التجاري المتخصص في بيع الأسلحة , امتدت يد عنترة إلى مسدس صغير وتلمسه بأصابعه وضغط على زناده , أحدث صوتاً رناناً وبدون مجادلة في الشراء , وضع سيفه الصقيل , وأخذ المسدس , وخرج بنشوة , وعند اقترابه من عمود إشارة المرور وجد حبلا مهملاً فقط , واستمر يتمتم أثناء سيره , وتوقف حين لمح حصانه داخل حديقة صغيرة وقد امتد فمه ليلتهم أكمام ورود وأزهار ملونة نضرة . وبعد أن تفقد حصانه وجد إن حذوة معدنية مثبتة في قدمه اليمنى فقدت , وبينما كان يفكر في كيفية العثور عليها , داهمته سيارة تحمل علامة زرقاء في بابيها الجانبين , وترجل منها رجلان أحدهما يحمل في يده بوكاً , وبسرعة خاطفة انتزع غطاء قلمه وسجل بحروف مقرءوة مخالفة مقدارها 500 ريال يدفعها عنترة لقاء تحطيم أغصان وأزهار الحديقة , أخذ عنترة الورقة ببرود ووضعها في جيبه ولم تمتد أصابعه إلى زناد المسدس , فقط قفز على ظهر حصانه ليواصل سيره , وأثناء ذلك سمع اختلالا في الأصوات الصادرة عن حوافر الحصان باحتكاكها على الرصيف , وفوجئ عنترة بعدة كاميرات لقنوات فضائية إلا أنه لم يلق لها بالاً .. واستمر حصانه يسير وأسنان بيضاء تلمع مع إشعاع الشمس , هي أسنان عنترة , دخل في سرداب ضيق , بقي شيء واحد صدى لصوت جهوري ,يردد :هل غادر الشعراء من متردم ؟
جمعان الكرت