حمد الكنتي

فضول !

يختلف الناس في أشياء كثيرة جداً، منها على سبيل المثال لا الحصر مسائل الوضوح والغموض، فتجد بعض الناس واضحاً إلى درجة ملفتة، وتجد الآخر غامضاً إلى درجة مزعجة، والوسط بالتأكيد هو الخير بين الأمرين.
بعض الناس إذا جالسته للمرة الأولى، حكى لك كل شيء وباح لك بكل أسراره، وهنالك نوع آخر من الناس إن جالسته عشرات السنين لا تعرف عنه شيئاً، وكأنه صندوق مقفل ضاع مفتاحه.
واللافت أن بعض الأشخاص يعامل أصدقاءه بالمثل، فإذا وجد صديقاً واضحاً باح له، وإذا وجد صديقاً غامضاً عامله بالمثل، ولم يفصح له عن أي شيء من أسراره، بل ربما مع الزمن انكمش عنه، وتوارى عنه في دروب الحياة، وأصبحت صداقتهم ذكرى تُحكى للعابرين.
وبعيداً عن الغموض والوضوح، تأتي قضية الشخص الفضولي، وهذا الشخص غالباً لديه وظيفة صباحية يؤديها، ومن ثم يعود إلى منزله ليبدأ عملية الفضول، وتتبع أخبار الآخرين، فتجده يقف في الشارع يسألك: إلى أين أنت ذاهب؟ أو يقول لك: الأسرة الفلانية هل تعرفها؟ أو ربما قال لك: أين تعمل، فأنا لم أرك منذ زمن؟ .. وغيرها من الأسئلة التي تجعلك تجيبه إجابة سريعة. وإذا زاد عن حده تقول له: معذرة أنا مشغول الآن، وإذا تمادى أكثر لا تمتلك إلا أن تقول له: وما شأنك؟
في حياتي لم أرَ شخصاً له إنجازاته وكان فضولياً، بل دائماً أرى أن الشخص الفاضي والفارغ من كل شيء هو الفضولي الذي يتتبع أسرار الناس، ويبحث عن خفاياهم، وربما فضح أخطاءهم وزلاتهم.
وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان الفضولي فقال: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، فالشخص الفضولي هو شخص من شدة فراغه أصبح الشارع مكانه، والسؤال ديدنه حتى صار شغله الشاغل متابعة الناس.. ومن الغريب أنك تجد لديه الكثير من المشكلات، ولكنه مشغول عن حلها بمتابعته للآخرين.

حمد الكنتي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى