مخطئ تماما من يعتقد ان الهزيمة المحتومة لتنظيم ‘داعش‘ الإرهابي ستكون النهاية السعيدة لمآسي المنطقة، فمرحلة ما بعد ‘داعش’ تحمل في طياتها الكثير من التفاصيل المقلقة التي يجب على الجميع ان يتنبه ويحتاط لها، خاصة مع وجود العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية التي ستعيد تشكيل المشهد وسط تفاعلات بين اللاعبين المختلفين والتي ستشمل تشكيل تحالفات او نشوء صدامات بين حلفاء .
من نافلة القول ان التنظيم الإرهابي في طريقه الى التفتت، وهو ما سينتج عنه وجود افراد ومجموعات تعمل بشكل غير مركزي وغير متوقع، وهذا بحد ذاته خطر، حيث يصبح توقع سلوك هذه المجموعات والافراد أكثر صعوبة، وهو تماما ما حدث بعد هزيمة تنظيم دولة العراق الإسلامية ومقتل قائدها ‘أبو مصعب الزرقاوي’ وكذلك ما حدث لتنظيم القاعدة بعد ان تم شن الحرب عليه في أفغانستان، حيث تحول عمل هذين التنظيمين من عمل منظم وشبه مركزي الى عمل قائم على تنفيذ عمليات إرهابية غير مرتبطة بقرار مركزي.
وبعيدا عن ذلك، فإن مسألة العلاقات بين مختلف القوى المناوئة لداعش هي مسألة يجب اخذها بعين الاعتبار، فحلفاء اليوم قد يتحولون الى متنافسين ان لم يكونوا خصوما بعد هزيمة التنظيم، فكل طرف سيحاول ان يحصل على حصته من النصر، مما قد يؤدي الى صدامات سياسية او حتى عسكرية، فعلى سبيل المثال فإن المناطق التي يجري تحريرها الآن من قبضة التنظيم الإرهابي في العراق ستكون مسرحا للخلاف والتنافس على السيطرة عليها، خاصة تلك المناطق المتنازع عليها أساسا، وهو نزاع متعدد الأطراف، حيث الحكومة العراقية المركزية وجيشها المسنود من الحشد الشعبي وحكومة إقليم كردستان وقوات البيشمركة، إضافة الى القوى المحلية في هذه المناطق من أبناء العشائر والأحزاب السياسية، كل هذه القوى ستحاول فرض سيطرتها على المناطق المحررة، ويضاف اليها الدول المؤثرة في الإقليم كتركيا وايران والتي لن تقف موقف المتفرج بالتأكيد. والحال في سوريا لن يكون مختلفا ان لم يكن اكثر تعقيدا لوجود عدد اكبر من اللاعبين المحليين والاقليميين والدوليين.
وما يزيد في تعقيد المشهد اننا امام إدارة أمريكية جديدة لم تتضح سياساتها حتى الان، فعلى الرغم من تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه سيعمل وبشكل مباشر على محاربة الإرهاب، الا ان أحدا لا يعلم بعد ما هي توجهات الرئيس الجديد وادارته فيما يخص العلاقات مع دول المنطقة وقواها المختلفة، وكيف ستؤثر العلاقات الامريكية الروسية في عهده على المشهد، وما هي ردود فعل دول المنطقة سواء في الخليج او ايران او تركيا تجاه سياسات ترامب حال وضوحها ووضعها حيز التطبيق.
تصريحات ترامب حتى الان تضمنت مجموعة من التوجهات العامة التي لا يمكن تحليل اثارها على ارض الواقع، ففي الوقت الذي ابدى فيه الرجل رغبة في تحسين العلاقات مع روسيا فإنه اتخذ موقفا متشددا من ايران وهي احد حلفاء الروس في المنطقة، كما انه شدد على محاربة الإرهاب في العراق ولكنه لم يوضح طبيعة علاقته المستقبلية بحكومة بغداد المتحالفة أيضا مع ايران في حربها ضد داعش، كما انه لم يحدد ابدا موقفه من النظام السوري وما اذا كانت واشنطن مستعدة لدعم موسكو في رؤيتها للتعامل مع الصراع في سوريا ام لا، إضافة الى ربطه أي دعم لدول الخليج بضرورة ان تتحمل هذه الدول التكلفة المالية لهذا الدعم، دون ان ننسى التخوف الموجود لدى الدول العربية بشكل عام نتيجة تصريحات ترامب بأنه سيقوم بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس.
في المحصلة فإن المنطقة مقبلة على مرحلة معقدة تتشابك فيها العلاقات والتوجهات والتحالفات الإقليمية والدولية، مرحلة محفوفة بالمخاطر وغير واضحة المعالم، مرحلة سيسير فيها جميع اللاعبين على حبل مشدود محاط بالألغام السياسية والأمنية.
سهاد طالباني