لا أحب المقارنات بين غرب وشرق وبين شمال وجنوب، وما زلت أرى شعوب الأرض كلها متقاربة في سلوكياتها وفي ردود فعلها، يستوي في ذلك الريف الإنجليزي مع الريف الفرنسي مع الريف المغربي مع سائر الأرياف في بلاد الصين أو الهند أو العرب أو العجم، إلا من عوالق بسيطة علقت برؤوس هؤلاء أو أولئك وبعض تجارب تاريخية وجغرافية يمكن قبولها ضمن دائرة الاختلافات الحميدة بين شعوب الأرض.
كنت في حفل بهيج بادرت إليه قرية من القرى لتكريم شاب من أبنائها بات موظفا في إدارة حكومية، إدارة من تلك الإدارات التي لا تقدم نفعا مباشرا للناس، ولا أمل حتى على المستوى البعيد، لكن صديقي في تلك القرية قال: نحن نكرم قريتنا من خلاله ونفتح آفاقا واسعة أمام غيره ليقتدي به من يقتدي، ولا تعنينا المكاسب التي ستتحقق من خلال وظيفته إلا مكاسبه الشخصية من راتب وخلافه، يغتني به عن غيره.
في قرية أخرى سألت عن علم من أعلامها فانبرى للحديث رجل من طرف المجلس، عدد لي وللحاضرين أكثر من ثلاثين نقيصة ألحقها بذلك العلم، ارتعدت فرائصي ثم سكنت، واقشعر جلدي ثم سكن فقلت لهم: صاحبكم له سبعون دراسة علمية، وحظي بجوائز كثيرة داخل المملكة وخارجها، وتسلم مناصب علمية في جهات شتى وما عرفتم عنه إلا أن أمه كانت تعطيه الطعام وهو نائم إمعانا في تدليله؟
تذكرت حينها دراسة أجرتها صحيفة تاريخية عن غاريبالدي، غاريبالدي الذي وحد إيطاليا منذ قرون وكانت إمارات متنازعة، كتبت الصحيفة اسمه ووضعت تحته مائة صفة ليختار القارئ الإيطالي ما يعتقد أنه من صفات غاريبالدي الحقيقية، وكانت الصفات المائة كلها متوفرة في الرجل، منها أنه نشأ سمّاكا، وبرع في البحر والقتال البحري، وأنه كان مزواجا تزوج خمسين امرأة، وأنه، وأنه، وأنه، لكن القارئ الإيطالي اعترف بصفة واحدة فقط: غاريبالدي كان موحد إيطاليا.
محمد بن ربيع