يعني “الحَفِر” في قاموس اللهجة العامية السودانية تدبير المكيدة وإحاكة الدسائس بالآخرين بدافع الحسد أو الغيرة المهنية.
كثير من المواقف والتجارب والقصص تمرّ بنا أو نسمع عنها، في محيط العمل، أو في نطاق العلاقات الاجتماعية، عن أناس كانوا أصحاب سلطة وتمكين، أو مقرَّبين من أصحاب القرار، لكنهم كادوا لغيرهم، فأقصوهم وألحقوا بهم الهزائم، أو تسلقوا على أكتافهم في خسة نفس ودناءة طبع!
فربما دبّجوا تقارير كاذبة في ضحاياهم، أو سرقوا جهودهم ونسبوها إلى أنفسهم، أو ضيّقوا عليهم، أو عاملوهم بقسوة؛ حتى أُبعدوهم، أو اضطروهم للمغادرة مرغمين!
وهكذا يتفننون في أساليبهم في القضاء على كل نجاح، ولا يهدأ لهم بال حتى يحطموا كل تفوق، ويدمروا كل نبوغ، في نرجسية عجيبة تعظِّم الذات، وتغار من كل منافس؛ وإن كان مؤهلاً وكفئاً!
وينسى هؤلاء في غمرة انتشائهم بالنصر على خصومهم، بعد أن آلت إليهم الأمور، وصفت لهم الأحوال كما يظنون، ينسون عين الله التي لا تغفل عنهم لحظة من اللحظات، ومشيئته سبحانه التي تمهل ولا تهمل، ويظنون أنهم قد حققوا مبتغاهم؛ ولكن إذا بالدائرة تدور عليهم، وإذا بالبساط يسحب من تحت أقدامهم، ليصيبهم ما أصاب غيرهم من الإبعاد والتضييق والتنكيل، ويذوقوا ما ذاقوه من مرارة الظلم والقهر والقسوة! (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران : 140 ]، و(ولو دامت لغيرك لما آلت إليك)!
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً
فالظلم آخره يفضي إلى الندمِ
تنام عينـــــك والمظلــــــوم منتبهٌ
يدعو عليك وعين الله لم تنمِ
وما كان لهؤلاء (الحفّارين) أن ينحوا هذا المنحى المشين إلا لضعف توحيدهم لله تعالى، حين غاب استشعارهم لمراقبته إياهم؛ ولضعْف توكلهم عليه، إذ لو توكلوا عليه حقَّ التوكل؛ لعلموا يقيناً أن الرزق من الله – تعالى – وحده، وأن لا أحد في الكون – أياً كان – يستطيع أن يمنع رزقاً ساقه الله إليهم، أو يعيد إليهم رزقاً منعه الله عنهم.
كما أن أمثال هؤلاء غفلوا عن تزكية أنفسهم الأمَّارة بالسوء، وترويضها، وتحليتها بالفضائل، واستسلموا للهوى والحسد وداعي الشر، وبدلاً من أن يطوِّروا ذاتهم، ويرفعوا مقدراتهم؛ ليكونوا أهلاً لكل تفوُّق ونجاح، حاولوا أن يبنوا مجدهم على أنقاض الآخرين، ناسين أن كل إنسان ميسَّر لما خُلق له، وأنه تعالى يصطفي من يشاء ويختار، فلا غرو أن يفشلوا في النهاية حين عجزوا عن تطوير أنفسهم؛ لانشغالهم بعيوب الناس عن عيوبهم، وتأجيجهم للفتن والأحقاد والعداوات!
إنها رسالة لكل مسلم ومسلمة: كن متوكلاً على الله حقَّ التوكل، صافي السريرة، حسن الظن بغيرك، محباً الخير للآخرين؛ وانأى بنفسك عن الأحقاد والمكائد والدسائس والوقائع، وعن كل ما يؤذي الآخرين؛ حتى تُوفَّق في دنياك وآخرتك، وتنال رضا الله ومحبة الناس؛ (فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) الترمذي (2627)، و(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) البخاري (13).
ولنضع نُصب أعيننا دائماً قول الله تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر: 43]، وكما قيل: (العاقل من اتعظ بغيره، والجاهل من كان عظة في نفسه)، و(من حفر حفرة لأخيه وقع فيها)!
علي صالح طمبل