تظل الحقيقة غائبة عن من هو يبحث عنها، فظلا عن اللاهي والساهي وما أعنيه في هذا المقال هو لكل أوجه الحياة وليس لاتجاه واحد؛ حيث بدا لي القصور واضحا جليا في هذا الجانب فبعد أن وقفت مع نفسي كثيرا خصوصا هذه الأيام مع ثورة (الواتس اب) وغيره من البرامج، فعندما أبحث عن بعض الآراء التي يتداولها الناس أجد أنني اذهب بعيدا في اتجاه اللامعقول، فهي بتلك الأوجه غير مقنعة ولا تحقق النفع، وبرغم كثرة وسائل الاتصال وسرعة تناقل الأخبار والمعلومات، والتي من المفترض أن تكون طاقة معرفية خلاقة، إلا أنه عكس ذلك تماما فهناك الكثير من الآراء والمداخلات وفي مختلف برامج التواصل أراها غُثاءً كغُثاء السيل تبتعد عن الحقيقة ولا تصل إليها ولا تقود إلى المعرفة، إلى جانب أنها لا تحاور وفق آلية الحوار البناء للوصول إلى نتيجة مع جنوح واستعلاء على التعلم، الأمر الذي أدركت معه تفاوت المعرفة الحقيقية لدى البعض، فالحقيقة تظل كما هي وليست كما يقال عنها ويروج لها، وتبقى خلف الأشياء الكثير من المعلومات تغيب تماما عن القائل والساحة، وكل من ظن أنه قال الحقيقة رأيت ذلك مجرد رأي واضح لي فيه القصور؛ لأن الآراء تتعدد في موضوع واحد مما يجعلني أراجع نفسي حول ذلك وأجد بالفعل أن تلك الأقوال مجرد آراء تقترب وتبتعد من الحقيقة حسب قدرة كل شخص لإيصال المعلومة وتحليلها لكنها ليست الحقيقة عينها، والآراء في مجملها تعبر عن نظرة آنية للأحوال على اختلافها وتعددها وغالبا ما تكون قاصرة لبلوغ المرام، فلا تعرف الماضي ولا تدرك المستقبل ولم تعش الواقع بكل تفاصليه، واستدل على ذلك من خلال واقع مرير نعيشه اليوم، فبرامج التواصل الاجتماعي المختلفة منحت منبر لا منبر له، فإما أصبح بوقا لغيره أو أنه ينقل ما يجافي قيم المجتمع ومنصوصات الأنظمة، الأمر الذي يجب أن نعترف به مسبقا كي نتقدم خطوة نحو الأمام أو نجعلها نقطة للانطلاق إلى أفق أرحب للمستقبل؛ لنصل إلى الحقيقة معا، فعند اعترافنا بذلك من المؤكد لا نصطدم بقادم حقيقة العجز والقصور وكذا الواقع المغاير، واستتباعا لذلك ومن دون أدنى شك يظل التعبير عن الواقع المرئي المشاهد أمامنا قاصر تماما عن الواقع الحقيقي فضلا عن التاريخي وخلافه من القضايا، فالذي يصف لنا أي واقع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو غيرها فإن ذلك لا يمثل الحقيقة نفسها؛ لذلك كل ما يقال لا يصل إلى مستوى الحقيقة إطلاقا، لاسيما مع طوفان ما ينقل ويتداول عبر برامج التواصل الاجتماعي وكذا البث الفضائي من غث وسمين، وهو يشير في مجمله إلى ملامح من الحقيقة ليس إلا، ويقصر تماما عنها، وعند هذا يتكشف حقيقة غياب الحقيقة، ومن هنا قد ندخل في اتجاه آخر من الزيف، وربما يتعدى الإنسان في ذلك إلى ظلم نفسه، وخصوصا عند إضافة معلومة أو فبركة مقطع، ومن ثم محالة ترويجها في استغلال غير لائق بالتقنية أو بالمبادئ والقيم الإنسانية دونما يشعر بذلك فعندما يقدم ادعاءاته حول أمر ما على أنها حقيقة لا مفر منها وعلى الجميع أن يتبع ما يقدمه ويقوله، وبالتالي فإنه يظل ما ندعيه باطلا أو قريبا من ذلك، وحتى نصل إلى الحقيقة التي كلنا نرجوها ونهدف إليها، فبقدر قوة العقل والبصيرة والرشد وفي إطار ثقافتنا الإسلامية وتعاليم الدين فإننا نصل إلى الحقيقة والتي ستكون في متناول اليد؛ وذلك عندما أمنح الآخر فرصة، وأومن بوعيه وثقافته وحقيقة كيانه وماعدا ذلك فإننا نحطم كل طريق يوصلنا إلى الحقيقة.
عوضة بن علي الدوسي
ماجستير في الأدب والنقد