دونالد ترامب هو الرئيس الأمريكي الأكثر جرأة على مدى الأربعين عامًا الماضية، وصفوه بالمهرج، الذي لا يليق بالرئاسة، لكنه نجح ودخل البيت الأبيض وبدأ بتنفيذ وعوده، فأصدر قراره التنفيذي، و(جاهر) بمنع دخول مواطني سبع دول إسلامية لأرض الأحلام بحجة حماية البلاد والشعب الأمريكي.
ترامب مضى قدمًا ولم يهتم لصوت الشعب، وقدم مصلحة أمته على غضب العالم، لكنه لم يأت بجديد، فمنذ عهد كارتر ومواطنو الدول التي حظرها القرار(وحتى زائروها) يعانون الأمرين في الحصول على *التأشيرة الحلم*، إن ترامب والقرار الذي أصدره، يخدم مصلحة أمريكا بالدرجة الأولى، ويعيد إليها شيئًا من سمعة بلد الحرية و صورته التي بهت بريقها بسبب سنوات التمييز العرقي مثل قتل السود، والتمييز الديني ضد المسلمين، وتقييد الحرية الشخصية بالتجسس على المحادثات والرسائل الإلكترونية، وهو – أي القرار – على عكس ما وصفه المعلقون، ليس بالقرار العنصري ضد المسلمين بدليل أنه لم يشمل مواطني دول إسلامية لها ثقلها كالسعودية ومصر وإندونيسيا وباكستان.
القرار أيضًا يخدم الاقتصاد الأمريكي بصورة غير مباشرة، إذ يؤجج كراهية أمريكا ويغذي الفكر المتطرف وقد يؤدي إلى نشوء النسخة الثالثة من الحركات الإرهابية بعد القاعدة وداعش، وهذا يعني ضمنيًّا دعمًا للمشروع الأمريكي في الحرب على الإرهاب، المقولة التي استغلتها أمريكا لضرب أفغانستان والعراق وأي بلد (تشك) بدعمه للإرهاب والإرهابيين، وسوف تستعين أمريكا بدول صديقة وحليفة لمكافحة الإرهاب، مما يعني المزيد من صفقات شراء العتاد العسكري، وبالتالي دورانٌ لمصانع الأسلحة وانخفاض البطالة الأمريكية. إن ما فعله ترامب بقراره من تقسيمٍ معنوي للمسلمين قد يكون مقدمة وجسًا للنبض لأمر قد يمرره لاحقا فيما يتعلق بموضوع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس كما تريد دولة العدو المحتل.
بسبب قرار الحظر، خرج آلاف من الأمريكيين متظاهرين، كما خرجوا من قبل نصرةً لقرارات عمالية أو حزبية، بل خرجوا ذات يوم دعمًا لتشريع زواج الشواذ!. الشعب خرج لينتصر للمبادئ الأمريكية والديموقراطية، ولم يخرج دعمًا للمسلمين فقط، وسيخرج حتى لو كان المنع للمنتمين للبوذية أو الكونفوشيوسية أو الهندوسية. إن ما يدعم هذا الطرح أن قرار الحظر وقرار الجدار المكسيكي وغيرهما من الوعود لم يكن مفاجأةً، بل كان ضمن البرنامج الانتخابي للرئيس، لم يصل ترامب للبيت الأبيض بتوصية أجنبية أو بخلافة أو بانتخابات عربية ذات التصويت (99.99%)، بل بانتخابات ديموقراطية حصل خلالها على تأييد وصل إلى 51% من أصوات المجمع الانتخابي، فالشعب كان على علم واطلاع بأهداف ترامب ومن حقه أن يقبل أو يرفض أو يتظاهر، وعندما تصطدم سياسة الدولة العليا مع الرغبة الشعبية تكون الغلبة لرأي الدولة.
شعوبنا كالعادة، مضت خلف (العاطفة) واستنكرت القرار الرسمي، وامتدحت المظاهرات لمساندتها للمسلمين، وبدأ الكثيرون يقارنون بين تعاطف الشعب الأمريكي وبيننا، وبدأ جلد ذاتنا، تساءل البعض ماذا لو حدث ومنعناهم من دخول بلادنا، هل ينتفض المسلمون للتنديد بمنعهم؟ وآخر كتب بسخرية: أهؤلاء الذين ندعو عليهم في أوقات السحر وفي خطب الجمعة وليالي العشر. الكتابات والتعليقات التي انتشرت تؤكد أننا انتقلنا إلى مرحلةٍ أعلى من الإصابة بالزهايمر، نسينا أن ديموقراطيتهم لم تنفعنا من قبل وأحداث الزمن القريب خير دليل، الشعب الأمريكي والبريطاني وغيرهما من شعوب الأرض نددوا ذات يوم وتظاهروا ضد غزو العراق، فهل تراجعت أمريكا(الحكومة) عن قرارها؟ هل توقفت بريطانيا(الحكومة) عن دعم (حكومة) أمريكا ومساندتها؟ لقد تابعت أمريكا وحلفاؤها إنجاز هدفهم وضربوا بديموقراطيتهم عرض الحائط حتى تم تدمير وتفتيت العراق، وأعادوه إلى دولة تفتقد للبنى الأساسية للدولة بعد أن كان ذات يوم في صدارة الدول العربية علمًا واقتصادًا.
*قبل الختام*
في ظروف كهذه، يجب التحذير من أساليب الحركات الإرهابية، واستغلالها للقرار الأمريكي لبث المزيد من الكراهية والعنف والتطرف لاستقطاب جيل جديد من المغرر بهم فكريا.
ونقول للساخرين من أبناء أمتنا، هناك فرق بين الموقف الرسمي للحكومات والموقف الشعبي، نثمن وقفة (الشعوب) التي لا حول لها ولا قوة والتي لا تعلن عداءها ولا تحاربنا، وهذا مبدأ أمرنا ديننا بتطبيقه منذ أكثر من 1438 عامًا، قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)) سورة الممتحنة.
عبدالإله الشريف