همسات الخميس
مذ عرفت القلم وما يسطرون ونحن نبكي على اللبن المسكوب، نبكي ونبكي ونبكي، ثم نبكي ونبكي ونبكي، لا نكف عن البكاء إلا على وقع انسكاب جديد، نطلق معه دورة جديدة من البكاء، لتستمر حياتنا بين لبن مسكوب وبكاء عليه، دون أدنى مبادرة لوضع نهاية للمشكلة، أو وضع حلول تحد من تلك الانسكابات، مثل تسوية المكان، أو توسيع قاعدة الوعاء على سبيل المثال.
لبننا المسكوب اليوم هو العائلة التي غدت شذر مذر بعد أن هبت عليها رياح التواصل الاجتماعي وتطبيقاته المختلفة التي لم يكن فيس بوك أولها ولن يكون واتس أب آخرها، وتلك (والحق يقال) كارثة أحاقت بالأسرة، تقطعت فيها العلائق وبات لكل فرد مخلاة يدس فيها رأسه، فإذا أخرجه رأيت له وجها تعرفه وينكرك، ومشاعر تحوم كما يحوم الزبد على الماء، لا هو من الماء ولا الماء منه.
الخطب عظيم ولكن ماذا فعلنا لمواجهته سوى الصراخ وتوزيع الاتهامات؟ كان الأولى بنا أن ندخل عالم التواصل الاجتماعي بتطبيقات مبتكرة تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الأسرة السعودية، نجمع الأسرة على صعيد التقنية، وفينا من المتخصصين في التطبيقات الحاسوبية خلق كثير، وفينا من الهواة من يفوق المتخصص براعة، وعالم الحاسب عالم جديد تتساوى فيه أكتاف الحضارات أمامه.
ليتنا نعرف أولئك النفر الأوائل الذين قامت على أكتافهم الإذاعة السعودية، كيف جعلوها إذاعة صادقة مصدقة، وكيف جعلوها مغرية للمستمع السعودي حتى أمست بيته ومجلسه ومدرسته، وعلى كثرة الإذاعات من حولنا، كنا نطوف الكون ثم نعود سراعا، نعود لإذاعتنا التي تفهمنا ونفهمها وتحتوينا ونثق فيها، فهل بقي من أولئك النفر من يدلنا على مخرج، فيجنبنا البكاء على اللبن المسكوب.
محمد ربيع الغامدي
سيأتي يوما ما لا تجد لبنا مسكوبا ولا ضرعا يدر اللبن فيجف الضرع وتجف المدامع يا ابن ربيع
لا سُكِب لأحد لبناً ، لكن إن حدث فأملي أن تكون ردة فعلنا منهجية علمية هادئة ، وهذا مقصد المقالة يا سيدي الكريم.