المقالات

بين “رشا” و”خالد” و”شامة”: من المعاق حقاً؟!

“رشا” و”خالد” و”شامة” ثلاث شخصيات جعلتني أعيد النظر في مفهوم الإعاقة؛ لأتساءل: من هو المعاق حقا؟!

النموذج الأول أو الشخصية الأولى “رشا”:  أصيبت بشلل أطفال منذ طفولتها، وعندما انتقلت أسرتها لتسكن في منطقة أخرى حالت ظروف الأسرة وبُعد سكنها دون مواصلتها لتعليمها، فاضطرت في سنوات الدراسة الأولى إلى ترك المدرسة؛ لكنها لم تستسلم، بل أصرَّت على أن تدرس من المنزل وتذاكر دروسها دون مساعدة من أحد!

ومن ثم عقدت العزم على الجلوس لامتحانات مرحلة الأساس، بالرغم من معارضة الكثيرين وتشكيك بعضهم في نجاحها، فكان أن جلست للامتحانات، واجتازتها بتوفيق الله تعالى وسط دهشة الجميع. وواصلت بعزيمة لا تلين حتى التحقت بالمرحلة الثانوية، لتذاكر – وحدها – دروسها من منزلها؛ حتى جلست لامتحانات المرحلة الثانوية فاجتازتها بنجاح، ثم التحقت بالمرحلة الجامعية فسارت على ذات النهج حتى حصلت على البكالوريوس في إدارة الأعمال.

وما زالت “رشا” تطمح  وتسعى إلى نيل أعلى الشهادات الأكاديمية والدرجات العلمية بنفس توَّاقة وهمّة لا تفتر!

******

والنموذج الثاني أو الشخصية الثانية شخصية “خالد”، شاب في ربيع العمر تعرَّض لحادث سير تسبب في شلله التام إلا من حركة في رأسه ويده، وفشلت التدخلات الجراحية في إعادته إلى سابق عهده؛ ليصبح طريح الفراش لسنوات عدة، لكنه لم يركن إلى اليأس، بل عقد العزم على أن يكون له دور فاعل في الحياة، وأن يكون سبباً في سعادة الآخرين، فقرَّر أن يلج مجال العمل الخيري من منزله،  لينشيء علاقات وثيقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وينشيء شبكة استطاع من خلالها أن يكون حلقة وصل بين المحسنين والمرضى الذين يحتاجون للمساعدات العلاجية، وأن يكتسب ثقة أهل الخير؛ فيقدِّم عبر هذه الشبكات المساعدةَ لمئات المرضى الذين تصل تكلفة إجراء عمليات بعضهم إلى عشرات الآلاف من الجنيهات.

فكانت النتائج مذهلة لم يتوقعها ذلك الشاب حين بارك الله في جهوده، لتلهج ألسنة المرضى وأهليهم بالدعاء له والثناء عليه، ويدخِّر من الحسنات ما يكون له ذخراً يوم القيامة بإذن الله تعالى.

ولم ينسَ أن يواصل حفظ القرآن الكريم وطلب العلم الشرعي، وتقديم محاضرات ودروس في المساجد وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.

*****

والنموذج الثالث أو الشخصية الثالثة هي شامة، فقدت البصر وهي في السنة الأولى من المرحلة الجامعية، فصبرت على هذا الابتلاء حتى أكملت الجامعة وواصلت مرحلة الدراسات العليا.

ولم يهدأ لها بال حتى تكون عضواً مؤثراً في مجتمعه، فاختارت مجال الإعلام؛ لعلمها بنفعه المتعدي وأجره الكبير إذا استخدم استخداماً صحيحاً، فما زالت تجتهد وتحاول حتى وُفِّقت في التعاون مع عدد من القنوات والإذاعات الهادفة في مجال الإعداد، فهي تعد الحلقة وتختار الضيوف وتتواصل معهم عبر الهاتف وهي جالسة في منزلها، لا تخرج إلا إذا استدعى الأمر خروجها ومتابعتها بنفسها.

وهكذا كان لها ما أرادت ليربو عدد البرامج التي تعدّها في الإذاعات والقنوات الفضائية على ستة برامج في الشهر الواحد.

*****

إنها رسالة إلى الأصحاء الذي متعهم الله بالصحة والعافية، وأنعم عليهم بحواس سليمة وأعضاء معافاة، ومع ذلك ركنوا إلى اليأس واستسلموا للإحباط، وأكثروا الشكوى بحجج داحضة وأعذار واهية، رسالة لهم حتى يقتدوا بهذه النماذج الواقعية المعاصرة التي ضربت أروع الأمثلة في التوكل والثقة بالله والهمة العالية والصبر؛ لتَهز كلَّ ذي قلب حيّ، وتوقظ كلّ ذي نفس سوية.

وكما قالت “رشا” في مداخلة هاتفية لها مع إذاعة “نور”: الإعاقة الحقيقية هي الإعاقة النفسية”.

*****

وهذه الشخصيات التي ذكرناها ما هي سوى غيض من فيض هذه الشريحة التي حُرمت من بعض الحواس والصفات، ولكن منحها الله تعالى في المقابل من المواهب والإبداعات ما جعلها تتفوق على كثير من الأصحّاء والمعافين، والأمثلة والشواهد على ذلك تستعصي على الحصر، مما يوميء إلى أهمية الالتفات إلى هذه الشريحة المهمة ورعاية المبدعين فيها، وصقل مواهبهم، ورفع قدراتهم وإتاحة الفرصة لها حتى تبدع وتفجر طاقاتها الكامنة، وتشارك في عملية النهضة والبناء.

 علي صالح طمبل

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button