الترفيه يجمعنا والترفيه يفرقنا. هذا وصف موجز لما أحدثته فعاليات وبرامج وأنشطة هيئة الترفيه في الأيام القليلة الماضية في أوساط مجتمعنا، فكانت ردود الأفعال أشبه بمعركة بين مؤيدين ومعارضين اتفقوا جميعًا على أهمية الترفيه وحاجة المجتمع له، واختلفوا على برامجه التي ترعاها الهيئة وتجيزها وتراقبها.
وعلى الرغم من أن الترفيه موجه في الأساس لإسعاد مجتمعنا وإدخال السرور على أفراده بجميع فئاتهم وأيدلوجياتهم ومناطقهم وأعمارهم، ويفترض بهم أن يستقبلوه بفرح وترحاب ويتقبلوه قبولاً حسنًا إن وجدوا فيه ما يحقق طموحاتهم ويلبي حاجاتهم، إلا أن الواقع وللأسف ينبئنا بخلاف ذلك تمامًا وما رصدناه في الإعلام ومواقع التواصل وفي المنابر، وفي المجالس يصب في معظمه ضد هيئة الترفيه وبرامجها التي وصفت بالانفلات الأخلاقي والتجاوزات لدين وقيم وعادات المجتمع، وما قدمته الهيئة حتى الآن من فعاليات لا تليق بدولتنا الرشيدة التي تفاخر بخدمة الحرمين الشريفين وتعتز برعاية ضيوف الرحمن وزوار مسجد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.
ولا ينبغي لنا ونحن نتكلم عن الترفيه وهيئته وردود أفعال المجتمع على فعالياته أن نتجاوز رأي ثلة ترى أن الضروريات مقدمة على الكماليات ومنها الترفيه، ويرى أصحاب هذا الرأي أننا سنكون أسعد شعوب الأرض إذا ما قضينا على البطالة المتفشية في مجتمعنا وتوفرت لنا رعاية صحية جيدة وتعليم متطور وسكن مريح، ولتذهب حينها المسارح والحفلات الغنائية للجحيم، وهو رأي ولا شك له وجاهته خاصة ونحن مقبلون على مرحلة ترشيد إنفاق ورؤية ستؤثر بصورة من الصور على مستوى إنفاق المواطن.
كما لا يمكننا بحال من الأحوال أن نهمل رأي ثلة أخرى ترى أن التركيز على الترفيه في هذا التوقيت الذي يقف فيه أبناء الوطن على الحدود دفاعًا عن مقدساتهم وذودا عن تراب وطنهم، ويزفون شهيدا في كل يوم من صفوة شباب الوطن توقيتا غير مناسب للترفيه، وأن النصر على الأعداء يطلب بالدعاء والطاعات وليس بالمعاصي والحفلات.
ويبقى رأي فئة كبيرة من أفراد المجتمع رأت في الهيئة وبرامجها ما خيب ظنهم وخالف توقعاتهم وآمالهم، واستشاطوا غضبا من برامج الهيئة لأنها لم تراع الأسرة البسيطة التي تبحث عن شواطئ نظيفة وحدائق منظمة وبرامج تجمع بين الفائدة والترفيه ولا تؤدي لاختلاط نهى عنه ديننا ولا تقدم منكرات تتنافى مع شريعتنا.
والسؤال الذي يتبادله الناس ببراءة هل جاءت الهيئة لتفريق الناس، وإثارة الخلاف بينهم واستفزازهم وفرض نمط ترفيهي معين عليهم ومن أعجبه فأهلًا ومرحبًا به، ومن لم يعجبه فليضرب برأسه في الحائط ؟ وهل تعمل الهيئة لإرضاء الفئة الأقل التي طبلت لبرامج الهيئة وفعالياتها وطارت بها فرحًا ولو على حساب الغالبية الرافضة لبرامجها ؟ وماذا لو طالبت الفئة المرفهة صاحبة الحظوة لدى الهيئة ببرامج رقص شرقي وغربي كأحد الفنون التي تعجبهم وتعبر في رأيهم عن الرقي والتطور ! فهل ستتمكن الهيئة من تحقيق رغباتهم في جلب الراقصين والراقصات حسب الضوابط الشرعية ؟
أسئلة متعددة لا يعرف إجابتها سوى الهيئة المسؤولة عن ترفيه المواطنين، والتي يبدو أنها تمضي في مخططها الترفيهي رغمًا عن كل الأصوات المنادية بالتصحيح والناصحة للهيئة والمنكرة لما قدمته حتى الآن ولا مجيب !
في النهاية لن يقبل الناس على مطعم ذي ديكورات فاخرة ما لم يقدم طعاما جيدا، ولن يتفاعل المجتمع مع برامج هيئة الترفيه وفعالياتها إذا لم تقدم محتوى يرضيهم ولا يتناقض مع معتقداتهم التي نشأوا عليها، ويعتزون ويتمسكون بها.
طارق عبدالله فقيه