أ. د. عائض الزهراني

ثمار التاريخ بحدائق حائل

تألقت وتكرمت جامعة حائل باستضافة اللقاء العلمي السابع عشر للجمعية التاريخية السعودية الذي ضم أغلب مؤرخي ومفكري المملكة الذين يؤمنون بأن التاريخ أداة لتحقيق التقدم في مجال الإرادة الحرة؛
مؤكدين كذالك أن التاريخ يتصدر أولويات الأمة حين تهم بالنهوض عاقدة العزم على الحركة نحو المستقبل.
فالمستقبل هو علة التاريخ، وأن نظرة الإنسان إلى التاريخ وصورة وعيه به رهن بالسعي نحو بناء مستقبل محدد المعالم؛
إذ بدون ذلك لا مكان للتاريخ بل لماض متوهم وبدون سعى الإنسان إلى مستقبل تحفزه وترسمه ضرورات علمية، وتستثيره تحديات إما البناء أو الفناء الحضاري يكون الحديث عن التاريخ ضربا من التحليق في الفراغ.
ويأتي انعقاد اللقاء متقاربا مع مؤتمر القمة العربي في الاْردن؛ ليتم فيهما تزاوج وتلاقي المفاصل المهمة لمناقشة تاريخ الأمة في ماضيها وحاضرها وما تمر به من مرحلة حرجة حيث يعتريه الضعف والانقسام وتتجسد في داخله صور السقوط والتبعثر، والتدمير والانفراط، والتمزق والتفجير.
وتميزاللقاء السابع عشر بسبر غور تاريخ وحضارة وتراث منطقة حائل،
وركزت أغلب الأوراق على شواهد الماضي؛ ليتم إيصاله بالحاضر
لتبدأ الذاكرة الجمعية صفحة جديدة
هادفة منه
التأمل ومعرفة عظمة الماضي؛ لتكون حافزا لبناء حاضر ومستقبل مضيء
ورغم ذلك لم تخل المدخلات والمناقشات مدة ثلاثة أيام بين المؤرخين. إنه لم يعد بالإمكان وجود عالم تاريخ ولا علم تاريخ
في بيئة علمية منعزلة عن العلوم الأخرى وإنجازاتها،
ومن هنا أيضا لا يمكن
أن ينهض علم التاريخ إلا في إطار نهضة علمية متكاملة تشكل ركيزة لحركة مستقبلية شاملة للمجتمع كله.
والعكس صحيح أيضا إذا لا يمكن أن ينهض مجتمع ويمضي قدما نحو المستقبل بدون نهضة علمية متكاملة شاملة علم التاريخ منهجا أو نظرية.
كما يؤكد أكثر من مئتي مؤرخ ومؤرخة
بأننا إذا كنا ننشد تغييرا جذريا للمجتمع؛
فإن أول شروط ذلك فهم التاريخ علميا فهما نقديا في وحدته وحركته؛ ليكون ولاؤنا إبداعيا
وليكن حسنا التاريخي صادقا،
فتقوى لحمة المجتمع وتتماسك عناصره.
إننا نريد تاريخا حقيقيا
لا التاريخ الأسطورة، وسبيلنا إليه
الالتزام بمنهج بحث علمي لدراسة واقع التاريخ والعوامل الاجتماعية المحركة
له بكل ما في هذه الحركة من تناقض وواقع العوامل المؤثرة سلبًا وإيجابًا على هذا التاريخ إلى أن وصل إلينا.
وتحليل هذا الواقع في إطاره الحضاري والثقافي للمجتمع الذي نشأ فيه،
والواقع مفهوم واسع يشمل الأبنية الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية، والثقافية والفكرية
حتى تتوفر لنا من خلال تعاون علم التاريخ
مع علوم الإنسان الأخرى
رؤية شاملة مقننة عن المجتمع والفرد ومنهج استجاباته وفعالياته، ومن ثم تتيسر آلية تعبئة طاقة المجتمع في حركته نحو المستقبل ليغدو التاريخ خريطة معرفية ثرية للأمة.
وليس غريبا أن تتمازج اهتمامات رؤساء القمة العربية الذين يعلمون أن التاريخ مرآة نرى فيها مايجاوز الحاضر الضيق المضطرب، ونميز مقاييس الأشياء
مع قمم المؤرخين الذين يؤمنون
بأن التاريخ هو المصدر الأساسي للفقه الحضاري، والمختبر الحقيقي لصواب الفعل البشري.
وأن التاريخ سياسة الماضي،
كما أن السياسة تاريخ المستقبل.
فلا بد للجميع أن يرسم الخارطة السياسية والحضارية للعالم العربي
مستفيدين من تجارب التنمية على مختلف الأصعدة؛ مطالبين بتعزيز التنسيق والتكامل بين جهود العالم العربي لتنمية التاريخ والثقافة والحضارة ومضاعفة سرعة حركتها إلى المستقبل.
وبهذا التكامل تتشكل الخطط التاريخية والفكرية، وتتنوع
وفقا لاحتياجات فئات المجتمع حتى تحقق جدواها.
ا. د / عائض بن محمد الزهراني

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button