المقالات

التنمر الفكري

تواجه خطط وبرامج التطوير الكثير من التحديات، ولعل من أبرزها في وقتنا الحاضر، ظهور العديد من الجماعات والأشخاص يشتركون في رفع شعارات تحمل الصبغة الدينية في ظاهرها، وتتخذ من الإسلام ستارا لها.
وتحاول الوصول إلى أهدافها وغايتها عن طريق استخدام العديد من الأساليب والوسائل بإشعال العاطفة الدينية واستغلال طبيعة مجتمعنا المتدين بطبعه، ومن الوسائل التي تستخدمها تلك الجماعات ما يمكن أن نطلق عليه العنف الفكري.
والذي يعرف بأنه: “العنف المعنوي، الذي يصادر الحريات، ويسيطر على الإرادة، ويعمي العقول؛ حيث يصبح الفرد البشري مجرد آلة أو أداة يتم التحكم بها من أجل خدمة جماعة بعينها، تستخدم العنف الفكري سبيلا؛ لتحقيق أهدافها المشبوهة”.

وللعنف الفكري دلائل؛ من أهمها: الفكر المتشدد الذي لا يؤمن بحرية الإنسان وفكره، أو ما يمكن أن نطلق عليه التعصب للرأي، ويتمثل ذلك أيضًا في إلغاء الآخرين وتهميشهم، والحجر على آراء المخالفين، وإقصائهم، وعدم قبول أي فكر أو رأي معارض لفكرهم.
ولعل أخطر ما يمثله العنف الفكري، هو تتبنى أيديولوجيا حزبية، تقوم على الإقصاء والتشكيك، وشيطنة المجتمع تارة والمسؤول تارة اخرى، وتجييش الاتباع والتهديد بزعزعة الأمان الوظيفي وتصل إلى الإضرار المعنوي والنفسي؛ وصولا لاحتماليات التصفية الجسدية والإقصاء، وغيرها من أساليب العنف الأخرى، ومما يزيد من خطورة العنف الفكري هو أن الشباب هم أكثر الفئات العمرية التي تقع تحت براثن هذا العنف.
وبصورة أكثر إيضاحا يمكن القول بأن العنف الفكري يترتب عليه أخطار وأثار سلبية تنعكس على المجتمع، حيث يعمل على تهديد الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لأي مجتمع، وكيف لا يؤدي إلى تلك الآثار السلبية، وهو يعد أحد أشكال الإرهاب، ولا يخفى على أحد الآثار السلبية للإرهاب.
ونظرًا لخطورة العنف الفكري، فلابد من مجابهته، الأمر الذي يحتاج إلى تضافر جميع مؤسسات الدولة، وتتم تلك المجابهة من خلال عدة أساليب، من أهمها ما يلي:
إن الدور الأساسي في مجابهة العنف الفكري يقع على عاتق النخب المثقفة في المقام الأول؛ ويمكن أن يتم ذلك من خلال تفعيل مجموعة من الأنشطة الحوارية، والدراسات والبحوث، والكتابات، والمؤتمرات، التي تهدف إلى تصحيح الأفكار والمعتقدات، وتنقية العقول المنحرفة من الشوائب التي علقت بها ، ومنع العقول الأخرى من الانحدار في بؤرة الانحراف والشذوذ والتطرف والتعصب الفكري.
يقع أيضًا على عاتق مؤسسات الدولة على اختلاف أنواعها القيام بدور فعال في مواجهة ظاهرة العنف بكافة أشكاله –ولا سيما العنف الفكري-، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال قيام تلك المؤسسات بتحصين الشباب من الوقوع في براثن الانحراف الفكري.
كما يجب العمل على تفعيل استراتيجية الأمن الفكري، لما له من أهمية كبيرة في التحصين الأخلاقي، والعقائدي، والفكري، فالأمن الفكري يعمل على تهذيب العقول وحفظ النفس، كما أنه يمثل ضمانة هامة للمجتمع ضد التطرف الفكري والإرهاب. كما يجب مواجهة ثقافة الكراهية وشيطنة المجتمع بنشر ثقافة الفرح وتعزيز الثقة.
وأخيرا: قد يقول قائل إن العربة تسير في الاتجاه الصحيح وأقول: نعم هي كذلك مع انطلاق رؤية ٢٠٣٠ وبرنامج التحول الوطني ٢٠٢٠ ولكني أضيف ومع ذلك يبرز التنمر الفكري؛ ليصل إلى حد التطرف والإرهاب ليضع العصاء في دولاب عجلة التقدم ليس لأهداف سامية إنما لأهداف أيديولوجية مزايدة.

د. فهد بن نايف الطريسي
أستاذ القانون المشارك – جامعة الطائف

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button