عاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مساء السبت الموافق 19/ 6/1438هـ إلى الرياض، وقد زار كثيرًا من البلاد في جولة شملت كلًا من: ماليزيا، والجمهورية الإندونيسية، وسلطنة بروناي دار السلام، واليابان، وجمهورية الصين الشعبية.
تخللها لقاءات مع قادة الرأي والزعماء في أنحاء القارة الآسيوية، التي استقبلته استقبالًا تحدثت عنه الصحف العالمية وجميع وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بوصف لم يسبق له مثيل، وما زيارة الضيف الملكي الغالي لهذه الأقطار إلا رمز جديد وبرهان سديد، يعطيه الملك سلمان على الرابطة القومية المكينة والعواطف الأخوية المتبادلة والوحدة التي لا تزيدها الأيام إلا ثباتًا وقوة، وتفاهمًا..فكلما بعدت شقة الخلاف بين العواصم تصافحت وتعاهدت على الود والمحبة والنجدة والوئام ..
هكذا ترفع المملكة صرح السلام عاليًّا مكينًا، وهكذا يقدم ملوكها العظام في كل زمان دليلًا ناصعًا على بعد نظرهم وسداد رأيهم وحسن رعايتهم لمصلحة الأمة التي علقت عليهم آمالها فما خابت، ولن تخيب . مادام فينا سلمان.
سلمان – إنه يترجم عما تحمله النفوس من العواطف السامية والمشاعر النبيلة، نحو كافة الأقطار وهذا ما برهنته الأيام العصيبة التي تتجهم فيها الأفاق السياسية، وتتبلد سحب الخلاف بين الدول يعطي الملك سلمان أمثولة بليغة وأنموذجًا عاليًّا في علاقة الجار بجيرانه والأخ بأخيه، وقد وقف قادة العرب والشرق وقفة الإجلال أمام عظمته العالية، في شمائله، ديمقراطية لا غبار عليها، وبساطة يحسد عليها فهو العزة العربية مائلة لا ريب فيها.
ورث المجد عن سعود الأول، والديمقراطية عن عبد الرحمن، والعظمة السهلة الممتنعة عن والده العصامي الملك عبد العزيز (رحمه الله)؛ فكان على سر أبيه وأخوانه ملوك المملكة العربية السعودية..
وخادم الحرمين الشريفين يضرب في كل يوم الأمثال للناس في البر لأخوانه والوفاء لهم فلا عجب عندما نراه، يقبل يد أخيه الأكبر صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن عبد العزيز آل سعود “حفظه الله”، ثم يأخذك العجب حين نسمعه يتحدث إليك بصوت هادئ خافت وفي دبلوماسية رائعة. ومما لاشك فيه أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بمجهول المقام عند شعبه وعند العالم بأسره، ولا هو في حاجة إلى المدح والإطراء، وهو شبل ذاك الأسد الهصور، وليس بغريب وقد اتخذ أخلاق أبيه مثله الأعلى في سره وعلانيته.
ولئن احتفل وفرح شعب المملكة من أقصاه إلى أقصاه بعودة سيدي خام الحرمين الشريفين فإنما يحتفل بالبطولة، يحتفل بالشهامة، يحتفل بالإخلاص في خدمة الأمة العربية والقضية العربية، وكل ما له علاقة ومساس بهما … يحتفل بكل ذلك بارزًا في شخصيته الكريمة ومتمثلًا في كل عمل يعمله فى حياته المليئة بما يدعو إلى الفخار والإعجاب..
ولا ريب أن شخصية الملك سلمان قد ورثها من الملك عبد العزيز- تغمده الله برضوانه – قد أوتي من مكارم الأخلاق ما يتعذّر توافره في شخص واحد في زماننا هذا، وكان على ماله من هيبه وجلال في كل من اتصل به من قريب أو بعيد، ذا جاذبية أكاد أجزم أنه لا دخل لها في هذه العناية التي يبذلها المستشرقون بملاقاته في صباح ومساء، إنها مصداق الحديث الشريف:” إذا أحب الله عبدًا قذف حبه في قلوب الملائكة ثم في قلوب الآدميين، وإذا بغض الله عبدًا قذف بغضه في قلوب الملائكة ثم في قلوب الأدميين”، فما حظي بالسلام عليه والإصغاء إليه أحد إلا أشرب حبه قلبه، وانطلق لسانه بالإعجاب والإكبار له، سيان في ذلك الشرقيون والغربيون، الموالون والمشاكسون.
حقًا إنه (ملك) فذّ أفرد المترجمون لسيرته في جميع اللغات الحيَّة بتأليف أكثرهم لم تستطع درسه حتى الآن، وقد كتب عنه نوابغ الكُتّاب، وأنشد فيه شعراء العرب من كل قطر، وما اتفق لملك سواه ما حباه الله من منعة وعزّ وحظ وتوفيق ونصر وسلطان، وثراء ما اكتنز منه إلاّ الأجر الكبير، هذا إلى أنه بالرغم من كل ما أحاط به من مهابة وتقوى وورع وخشوع ما كان ليضن على جلسائه وخلصائه وذوي خاصته، بالأحماض والدعابة، الفينة بعد الفينة، وكان رصيده عظيمًا من أدب الدنيا والدين، ومن سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين، ومن قصص الأنبياء وتاريخ العرب القديم والحديث، أما ما حققه الله على يديه للعرب أجمعين عامة، وللمملكة العربية السعودية من علو الشأن وبُعد الصيت ورسوخ القدم وعلو المكانة وإنشاء المملكة وتوطيد دعائم الأمن، ورفع منار الشرع، ومحاربة الأُمية ونشر التعليم، وانهمار الثروة وتدفقها، وإقامة المستشفيات، ودور الأيتام، وما أشاعه في رعيته من خيرات وحسنات وما بذله من تضحيات في تمهيد الطُرق، وتوفير الراحة لوفود بيت الله وزوّار مسجد رسوله الكريم (صلى الله علية وسلم)، وإنشاء المدارس وفتح المعاهد، وإرسال البعثات، وتأمين المياه، وتيسير المواصلات في البر والبحر والجو، وما كان له من سخاء وعطاء، وبما غمر به أمته من فيض وكرم وإحسان فحسبنا أن الكلام في ذلك أصبح لا يعدو أن يكون كإقامة الدليل على أن ( السماء فوقنا)، وأن ( الشمس تضىء) و ( الماء يروي)، وما من شك في أن العبقرية في مختلف أشكالها تبرز بآثارها واضحة جليَّة في أساليب سلوك أفذاذ التاريخ وطُرق تفكيرهم بحيث لا تخفى عن أنظار المؤرخين والعلماء والباحثين وعامة الناس، مهما اختلفت مشاربهم وتباينت جنسياتهم وتعدّدت منازع تفكيرهم.
ولا مراء في أن نوابغ الرجال وعمالقة التاريخ الإنساني عندما يعرضون على مقاييس التحليل وموازيين التقدير- أيِّا كانت- للتعرّف على خصائصهم الإنسانية العالية وإظهار ألوان المهارة، وضروب القوى المبدعة في نفوسهم فإنهم يرجحون دائمًا.
والملك سلمان- من الشخصيات البارزة في تاريخنا العربي المعاصر، فهو امتداد لأسلافه فقد أتاح للمملكة أن تقوم بدور مهم في توجيه سياسة دول الشرق الأوسط، فرفع ذكره في أنحاء العالم الخرجي، بل العالم الإسلامي، ولَفَت أنظار طوائف الساسة والمؤرخين والكُتّاب والصحفيين من متباين الجنسيات، فاتجهوا إليه يطلبون ودّه – ويستقصون أنباءه ويدرسون شخصيته الفذّة العظيمة، التي لها أكبر الأثر وأعظمه في تطور كل مناحي الحياة في المملكة العربية السعودية.
هو لكل هذا ولمزايا شتى لا تكاد تحصى، حبيبًا إلى كل قلب، وقرة عين لكل موحّد ومثابة لكل قاصد، لا تأخذه في الحق لومة لائم، نسيج وحده، فهو أمة في رجل- بل هو الشعب في مجموعه- ومميزاته وسماته العليا- فلا غرو إذا أصبح لصيته في الخليقة هذا الدوي البعيد.
وليس لنا إلاّ أن نسأل الله العظيم أن يحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان تلك الشخصية الفذّ، ولنا فيما جربنا وعهدنا من حصافته البارعة، ويقظته السامية، أفضل ما يرجوه المؤملون لخير هذا البلد، وأن يوفّق وليّ عهده وولي ولي عهده فيما اضطلعا بهما من مهام هيَأتها لهما الكفاءة ورشَحتهما لأعبائها الجسام.
د. عزة بنت عبد الرحيم شاهين