من النوازل التي عمت بلاد المسلمين في الثلاثين عاما المنصرمة قضية الاختلاط بين الجنسين التي أصبحت تتصدر للرأي الاجتماعي بشكل كبير حتى صار بعض المتحدثين عن هذا الأمر لا يراعي ذمة أو ضمير أو دين أو قيم فيفجر في الخصومة عندما يفتح أحدهم باب النقاش في هذا الأمر مما أدى إلى كثير من الالتباس عند العامة فنتج عنه احكام وتفسيرات دون توضيح من قبل المتصدرين للمشهد العام، لذلك سأوضح بعض الأحكام قبل أن أدلف إلى صلب الموضوع.
الاختلاط
كلمة مثل المطاط يمكننا أن نوسع دائرتها إلى حدود كثيرة ولكنني سأكتفي بما يلي ليكون حديث واضح للجميع.
– المباح :
هو الالتقاء العابر غير المقصود الذي يقع في الأماكن العامة كالشوارع ،والأسواق ، والمنتزهات.
– الجائز :
هو الالتقاء في العمل سواء في التجارة أو المستشفى شريطة الالتزام بالحكم الإسلامي من الحجاب وعدم الخضوع في القول أو إبداء الزينة.
– المحرم :
هو الالتقاء في خلوة دون رقيب أو حسيب ولا سبب يدعو له.
يتبين لنا من ذلك
أن مفهوم الاختلاط المحرم هو الخلوة بين رجل وامرأة لا يربطهم شئ سواء بقصد الفساد أو غيره والأمر يعود إلى نية كل طرف منهما.
أحبتي :
للأسف أن بعض المتعالمين والمتطفلين على سماحة الدين لم يقفوا من ذلك بإنصاف وإنما نظروا للأمر بعين الريبة والشك في أخلاقهم وتربيتهم أولا ثم أهليهم ناهيك عن عموم الناس فلا مانع عند البعض من تدييث أحد أو الخوض في عرضه ظنا منه أنه “رجل فحل” يغار على محارمه.
بينما تجده من سنة إلى أخرى يسافر في بلدان العالم يقلب نظره بين الحسناوات ويتعامل معهن أو يسافر بأهله لبلاد لا دين أو عرف يحكمها أو يتعامل مع النساء في بلده دون قيد أو شرط فيجد لنفسه أحكاما واعذارا.
بل يجغر في كل مجلس قال الله وقال رسوله ثم يخلو بنفسه فلا يردعها ولا ينهاها بل يتنصل عند كل فعل يقوم به بأن لديه رأي سمعه أو فتوى ارتضاها.
ناهيك عن الخوض في أعراض المسلمات بالهمز واللمز والتفسيق سواء في بلده أو بلاد المسلمين دون النظر في حقيقة خروجها للعمل أو سبب تواجدها في مكان مختلط.
أحبتي:
لقد جاءت الشريعة الإسلامية كاملة ناصحة مانحة للبشرية كافة الحقوق في التعامل فيما بينهم مالم يخالفوا مراد الله ورسوله.
والذي يقرأ في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم سيجد فيها من العبر والمثل التي يجب أن تتبع في طرق التعامل بين الجنسين والتي كان يحكمها الدين أولا ثم الأخلاق والقيم العربية الأصيلة ثانيا دون تمييز بين طرف أو آخر.
ولكن مشكلتنا تكمن فيمن فسر تلك العبر السمحة على هواه فاستزلة الشيطان بنعرة كذابة لا تتسم بمبادئ الاحترام ناهيك عن تعاليم الدين التي لم تكن حجر عثرة في طريق العباد.
يتبين لنا من ذلك
أن مجرد وجود النساء والرجال في مكان واحد لا يعتبر اختلاطا محرما بدليل وجودهم في المسجد الحرام والنبوي مع تمايز الصفوف وكذلك وجودهم في الأماكن العامة بضوابط امنية وقانونية معروفة لدى الجميع.
فأي عقل يعتبر أن عمل المرأة في المستشفى أو مكان يديره رجل بوجود غيرها من النساء بوقت منضبط وحدود واضحة عقل تافه جاهل صاحبه بتعاليم الدين.
وأي رجل يقذف المحصنات الغافلات في اعراضهن لمجرد رؤيتهن في مكان عام مستترات محترمات يقضين احتياجتهن فهو عقل مجنون مكانه في المصحة ليس بين الناس.
احبتي:
لا شك أن الغرب بدعواته الضالة يريد أن يجعل من المرأة المسلمة سلعة في سوق النخاسة فيدعو لتحريرها من دينها أولا ومن قيمها ثانيا ومن مجتمعها ثالثا.
ولكن بتصدي عقلاء الأمة لتلك الدعوات يكون بحكمة ورؤية اسلامية لا تضليل فيها ولا تحقير من خلال نهج قويم لا يخالف القانون الإلهي والمسلك الذي نهجه المصطفى صلى الله عليه وسلم دون تعسيف أو تطويع للأدلة وفق الأهواء تحفظ فيه الحقوق وتعطى دون تعد على الأعراض سيكون حاجزا مانعا من دخولهم إلى عقول الناس بآراء وأهواء تخالف مبادئنا وقيمنا.
همسة :
قبل أن تقذف أحد في عرضه تذكر أن لك عرض لا تقبل أن يمسه أحد.
عبدالرحمن القراش