النظر عن قرب إلى تقاسيم الوجوه المتلبسة حيلة برداء الخجل ، والمتنكرة قصدا بلباس الضعف..تشعرك في بدء الأمر بتطابق مايدور في الفكر مع ما يجري في الواقع أمامك.. فتعتقد أن كل ضحكة تأتي إليك عبر الآخر صادقة.. وتشعرك أيضا أن هذا الوجه ماهو إلا شبه قريب من وجوه الرحمة المنزلة على أهل الأرض.. والحقيقة غير ذلك تماما.. فالخجل المتلبس في النفس الغريبة ماهو إلا انطلاقة لجرأة قبيحة.. والضعف الظاهر زورا أمام العين ماهو إلا بداية لسوء منتظر.. ويا فداحة القبح إذا اجتمع مع السوء..فماذا ينتظر..؟غير الضيق والكبد..لمن أحسن الظن..وأتبع طريق المحسنين. هذه الوجوه قد تصادفنا عن بعد..فهنا لابأس ولاضرر والأمر فيه سعة عميقة.. ولكن إذا تقابلت مع هذه الوجوه عن قرب شديد..فهنا طوعا أو كرها ستتنفس الألم عن قرب.
في هذه الحياة الدنيا من يعتقد فيها أنها بنيت على سعادة وفرح..ولايستيقن أنها بنيت على كدر وألم..فهنا يلهو في جميع جنباتها عبثا وجهلا.. ويمضي على ذلك عقود عديدة.. حتى يتنبه فجأة على حقيقة صادمة فعلى أثرها يفيق في وقت قد لاينفع معه الندم..
فلا يفترض أن يغتر بدنيا زائفة..ولا يفترض أبدا التعلق في السراب.. سراب بعض النفوس البالية..التي تسرق الحب من أعماق النفس بطرق أقرب ماتكون إلى الحيلة والغدر..التي تسرق الحب الطاهر من مداخل النفس المرهفة بالمشاعر الجميلة..والأحاسيس الرقيقة..والتي تتخذ من سواد الغموض أقنعة للنوايا السيئة..داخل أنفاسها الكريهة.. الضيقة في النفس والمتنفس.
عندما تبتلى الأنفس المرهفة هنا وعلى هذه المعمورة بمثل هذه الأنفس المرهقة..حينها تجب المغادرة الحتمية من هذا المحيط الضيق ..إلى محيط أكثر رحابة فالكون على الرغم من وجود مثل هذه العينات..إلا أنه يحوي مساحات كبيرة من الوجوه المعبرة والجميلة..من الوجوه المحبة الملهمة..التي هي في الأساس تنظر من يأخذها إلى مسافات أبعد لتحلق بالشوق والغرام عاليا..فالأرض لاتتسع أن تتحمل كل المشاعر الفياضة فالسماء الزرقاء أكثر اتساعا..والسماء الزرقاء أعظم انشراحا لأصحاب القلوب العاشقة. ولاعبرة لنا في تلك الكلمات اليائسة ليس بالإمكان أفضل مما كان..بل بالإمكان تغيير كل ماسبق وكان..فالحياة تأتي مرة واحدة..ولا تأتي مرتين إلا في الأحلام السعيدة..
عبدالرحمن عبدالقادر الأحمدي