د. جرمان الشهري

وطن بلا مخالف

شعار حازم وحاسم ، وفي نفس الوقت شعار إنساني ومرن وعقلاني .. فمضمونه يراعي جميع الظروف والحالات ، ويتعامل معها بواقعية وحكمة واقتدار .. فالوطن أي وطن ، يجب أن يكون جميع من يعيش على أرضه خاضعاً للقانون .. ولهذا فإن أهمية الحملة التي أطلقتها وزارة الداخلية تحت عنوان (( وطن بلا مخالف )) وحددت لها ثلاثة أشهر اعتباراً من غرة رجب الحالي ، تكمن في ضرورة تنفيذها بحزم وصرامة ، وهذا الحزم لم يهمل جانب التسامح والعفو من قبل ولاة الأمر ، حيث ذكرت تعليمات الحملة بأن من حضر لمنافذ السفر من المخالفين ، قبل موعد انتهاء المهلة الزمنية المحددة ، فإنه يعفى من أي عقوبات ضده ، ويكتفى بتسفيره إلى بلاده على نفقته الخاصة .. ولا أظن هذه المكرمة وهذا التسامح مع المخالفين حاصلاً من أي دولة في العالم غير السعودية ، وهذا دليل واضح على أن المملكة العربية السعودية ، عندما تطبق القانون وتطالب بضرورة التقيد بالأنظمة الرسمية ، فإنها في ذات الوقت لا تغفل الجانب الإنساني بصفتها قائدة ورائدة للعالم الإسلامي ، ونموذج يحتذى به في مراعاة حقوق الإنسان على مستوى العالم .. ولا شك أن تعليمات وزارة الداخلية التي أصدرتها من خلال هذه الحملة ، هي مطلب شرعي وحق قانوني وسيادي ، مثلها مثل بقية دول العالم الذين لا يقبلون بتواجد المخالفين على أراضيهم .. ونحن الآن على مشارف نهاية الثلث الأول من فترة المهلة المقننة ، وقد بادر مجموعة كبيرة من الوافدين بمراجعة منافذ السفر ، لإنهاء إجراءات العودة إلى بلدانهم دون أي مساءلة .. وهكذا ينبغي على بقية المخالفين كسب الوقت والاستفادة مما تبقى من المدة المحددة ، تحاشياً لتعرضهم للعقوبات النظامية بعد نهاية الشهرين القادمين ..

لا يخفى على الجميع بأن هذه الحملة ، ستشمل جميع الوافدين ، للتأكد والتفريق بين من قدم للعمل بصفة نظامية ، وبين من قدم بتأشيرة حج أو عمرة أو زيارة ، ولم يغادر البلاد بعد انتهاء الغرض الذي قدم من أجله .. هذا فضلاً عن بعض المتسللين للبلاد بطرق غير شرعية أو ممن فقدوا هوياتهم لأي سبب .. كل هؤلاء ستشملهم الحملة ويطبق بحقهم النظام ، وسوف يستفيد الوافد القادم للعمل بقدر فائدة المواطن السعودي ، وذلك من خلال تهيئة الجميع لممارسة العمل الشريف بحرية وكفاءة وإنتاجية ، بعيداً عن المنافسة غير العادلة التي تأتي من قبل الوافدين المخالفين لأنظمة التأشيرات والإقامة .. مما ينتج عن ذلك بالدرجة الأولى فتح المجال وإعطاء الحق والأولوية لأبناء وبنات الوطن في العمل والمشاركة في خدمة الوطن ، من خلال انخراطهم في الأعمال التي كان يحتكرها المخالفون للأنظمة ، وبالتالي سنكون ماضون إلى هدف وطني نبيل ، وهو تحقيق السعودة الشاملة تدريجياً ، والتي ستعود على الاقتصاد الوطني بالخير والإزدهار والنماء ، بسبب تلك العوائد المالية الوطنية الضخمة التي ستبقى رصيداً في الدخل الوطني العام ، ولن تغادر الاقتصاد الوطني كما يحصل حالياً مع كثرة الحوالات الخارجية لمخالفي الأنظمة ، وبالتالي تشكل تلك الثروة الوطنية رافداً أساسياً من روافد التنمية التي تنشدها رؤية المملكة ٢٠٣٠ ، هذا من الناحية الاقتصادية ، ولو تمعنا في أهداف الحملة غير الاقتصادية ، لوجدناها تشمل النواحي الأمنية والأخلاقية والاجتماعية ، التي تصب كلها في المصلحة العامة للوطن ، لأن المخالف للأنظمة ، إما أن يضايق العمال الوافدين للعمل بصفة رسمية ، ومن ثم يعمل بأجر أقل ولكن بدون حرفية أو مهنية ، والنتيجة تقديم عمل رديء ومتهالك وبدون جودة ، وإذا لم يتوفر له العمل المشروع ، فسيلجأ لا محالة إلى البحث عن معيشته بالطرق غير الشرعية ، وهذا مكمن الخطر على الوطن والمواطن ..

لا شك أن المواطن يتحمل دوراً كبيراً في إنجاح هذه الحملة ، من عدة أوجه ، ومن ذلك ما يجب أن يتحلى به من الوطنية والحس الأمني ، بعدم التشغيل أو الإيواء أو التستر لأولئك المخالفين للأنطمة ، فوزارة الداخلية مهما بذلت من الجهد ، لن تستطيع تحقيق النجاح المطلوب في هذه الحملة بدون تعاون المواطن ، وكما قال سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمة الله عليه ، وكررها سمو ولي العهد ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف ، بأن المواطن هو رجل الأمن الأول ، ومن هذا القول الحكيم تتضح ثقة ولاة الأمر المطلقة في دور المواطن وأهميته لدعم مجهودات الدولة في ترسيخ الأمن وتحقيق الاستقرار .. دعواتي من هذا المنبر الإعلامي لوزارة الداخلية بالتوفيق ، وأمنياتي من إخواننا المواطنين وكذلك إخواننا الوافدين النظاميين ، التعاون والتكاتف لتحقيق هدف هذه الحملة الوطنية (( وطن بلا مخالف )) .

د . جرمان بن أحمد الشهري

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button