إلى أبي في مثواه عليه رحمة الله.
قلتها في رثائه قبل عقدين من الزمن..
أبي:
..ويموت في فميَ الكلام..
تتجمد الكلماتُ
تبحث عن يدٍ
تنسلُّ في جنح الظلام..
تأتي فرادى
لا تكوِّنُ جملةً
وكأنها تشكو الخصام..!!
وهي التي كانت كموج البحر
تمضي في انسيابٍ واحتدام..
تتوقف الكلمات
حين يجئ طيفك
تجحظ العينان..
تصطك العظام..!!
يتوقفُ التفكيرُ..
تنشل المعاني..
وأصير كالمشدوهِ
لا أجدُ الكلام..!!
تتزاحمُ الصورُ العظيمةُ
عن حياتك
عن كفاحك
في مقارعة الظلام..
فأراك تخطبُ في زمانٍ
كان فيه القارئون
هم الكواكبُ للأنام…
وأراك في المحراب
تخشع في سجودك والقيام..
وإذا دنا الفجرُ البهيمُ
نهضتَ قبل القومِ
لا تخشى الصقيع ولا الظلام..
وتروح تدعو الناسَ :
(حي على الصلاة)..
(على الفلاح)..
إلى المرابح يا نيام..
***
وأراك تكدحُ
في نهارك
في الزراعة ِ
في السقايةِ
في متابعةِ الصِّرام..
وإذا أتاك الضيفُ
يشرق وجهُك الوَضَّاءُ
تمطرُ كالغمام..
وقِرَاهُ عندك في تراحيبٍ
تزيلُ الهمَّ
تَنْشَطُ حين تسمعُها العظام..
وتزيدُ في الترحيبِ
حين تحلُّ أوقاتُ الطعام..
لم يثنكَ الإعسار والإملاق
عن شيمِ الكرام..
***
وإذا دعاك القومُ في وقت الخصام
جاءت بصحبتكم
ملائكةُ التسامحِ والوئام..
كم فتنةٍ أطفأتها..!!
كم أسرةٍ قاربت بين رموزِها
كم فكرةٍ بناءةٍ قدمتها
والناس تسأل باحترام:
عن ذلك الشيخِ الذي
قد صار من رسلِ السلام…
الناس تقبل ما يقول..
الناس تنصت حين يبدأ في الكلام..
متدفقٌ كالنهرِ
لا يرضيه إلا الحقُ
إلا الصدقُ..
حرباً للئام..
***
..وأراك في رمضانَ في البيت الحرام..
تمضي بك الأيام
معتكفاً..
تبادرُ للصلاةِ وللصيام..
تقضي نهارَك قارئاً..
والليل يمضي في القيام…
***
…وأراك في كل المواقعِ
مشرقاً كالبدرِ في وقت التمام..
وبنوركم تحي القلوبُ
وبقربكم نجد القناعة والوئام..
نمضي بدربك
لا نخاف سوى الذي خلق الأنام..
سنكون حرباً مثلما قد كنت
للباغين أعداء العدالة والنظام..
التاركين الحق
والماضين في درب الحرام..
ستظل رمزاً للطهارة
للشجاعة
للكرام…
أ. د. عبدالرزاق بن حمود الزهراني