إنتشرت في العديد من الدول الأوروبية خلال السنوات الأخيرة ظاهرة هروب المراهقات من أسرهن و إنضمامهن إلى تنظيمات إرهابية على راسها تنظيم داعش وبشهادات الكثير ممن تعرض لبطش داعش في سوريا والعراق فإنه قد لوحظ وجود عدد كبير من الفتيات الاوروبيات ضمن صفوف تنظيم داعش كما وقد شهدت كثير من المطارات الاوروبية محاولات لهروب مراهقات تم ضبطهن في آخر لحظة ومنعهن من السفر لمواقع الصراع . إن قلق الحكومات الأوروبية من هذه الظاهرة بدا يتزايد مؤخرا بتزايد الإعتقالات للفتيات المراهقات المتهمات بإنتمائهن لتنظمات ارهابية ، ففي فرنسا مثلا تم القبض على مراهقة تدير شبكة إرهابية في مدينة ميلون الفرنسية و بحسب ما صرحت به “ديلي ميل ” فانه ألقي القبض على المراهقة الفرنسية التي تبلغ من العمر 16 عام في العاشر من فيراير لعام 2017 بتهمة إدارة شبكة تروج للتجنيد لداعش من خلال تطبيق التلقرام وهذه لا تعد المرة الأولى التي يتم فيها القبض على مراهقة في فرنسا بتهمة الإرهاب والترويج لداعش فقبيل هذه الحادثة بأشهر تم أيضا القبض على مراهقتين فرنسيتين تتراوح أعمارهما ما بين 15 و 17 بتهمة التخطيط للمشاركة في عملية تفجير إرهابية في قاعة للحفلات الموسيقية في العاصمة باريس في عمل تقليد لهجوم باتاكلان في تشرين الثاني عام 2016. لم تكن الدول الأوروبية المجاورة بأفضل حالا من فرنسا فقد صرح عددا من الحكومات الأوروبية مؤخرا عن قلقها من تزايد نسبة المراهقات اللواتي تم القبض عليهن بتهمة الانتماء لصفوف داعش ، وقد أعلن مدير قيادة مكافحة الإرهاب البريطانية ريتشارد والتون بأحد مقابلاته لشبكة ABC على أثر قضية فرار مراهقتين بريطانيتين بعمر 16 و15 من منزليهما للسفر إلى سوريا والالتحاق بداعش عن قلق الحكومة البريطانية المتزايد من جراء تفاقم ظاهرة تجنيد المراهقات للانضمام إلى جهات إرهابية تدار من قبل تنظيم داعش .
إن المحير في هذه الظاهرة بالنسبة للحكومات الاوروبية هي ان معظم حالات المراهقات الهاربات للانضمام الى داعش تشير إلى أن هؤلاء المراهقات متميزات دراسيا و يتمتعن بعلاقات وصداقات كثيرة ، فضلا على أنهن يعشن في أحضان أسر مستقرة ترعاهن وتقدم لهن كل سبل الإهتمام إلا أن هؤلاء المراهقات يتغيرن فجاة تغيرا يحير حتى اسرهن والذي يبدو كما انهن خضعن لعمليات مسخ دماغ وبناء شخصية جديدة مختلفة كليا عماهو معهود وبحسب شهادة إحدى الأمهات الالمانيات في احدى محطات الأخبار الألمانية والتي أفادت أن ابنتها المراهقة سافرت لسوريا للإنضمام لداعش و كانت قد شهدت حياتها تحولا جذريا فلم تكن تشرب أو تاكل من الطعام والماء مايكفي كما انها كانت تتحاشى النوم على سريرها و تنام على الأرض و هذا ما يفسر على الأرجح بأسلوب يتبع لتدريب المراهقات الاوروبيات على نمط جديد من الحياة تنتظرهن في المعسكرات الارهابية في مواطن الصراع هذا وأضافت الأم في سردها لقصة إبنتها التي إنضمت لداعش إلى ان التغير الجذري لم يكن فقط في حياة إبنتها وطباعها وعاداتها وإنما أيضا رافق ذلك تغير كبير في سلوك صديقتها التي توقفت هي الأخرى عن إستخدام طلاء الاظافر البراق وسماع الموسيقى الصاخبة للتحول و بفترة وجيزه إلى فتاة منقبة بالكاد تتكلم أو يسمع صوتها . وبحسب ما صرحت صحيفة OZY الالمانية فإن هاتان الصديقتان البالغتان من العمر 17 و22 سنة تعرفتا على بعضهما البعض من خلال قروب وتس اب إسمه “الاخوات” ثم تواصلتا مع أحد عناصر داعش و الذي كان يقنعهما بفكرة الذهاب إلى سوريا لإنقاذ الناس هناك ، فما كان من الفتاتان إلا أن صدقتاه و إقتنعتا بالسفر إلى هناك . و قد نشرت Teenvogue ايضا تفاصيل قصة مراهقيتين تم تجنيدهما من خلال صفحة فيسبوك لتكتشف الفتاتان حال دخولهما الحدود السورية الحقيقة المرة وهي أنهما أحضرتا لما يدعى” جهاد النكاح” . وللأسف فإن معظم المراهقات الاوروبيات اللواتي تم إستدراجهن لترك بلادهن إلى تنظيم داعش هن بالعادة لا يعلمن بحقيقة ما ينتظرهن من حياة مهينة الا بعد وقوعهن بالفخ الذي زين لهن بالوعود بحياة عزيزة بطولية .أما في إسبانيا فإن جذب المراهقات لافخاخ المنظمات مختلف بعض الشي عن منا هو ما متبع بالدول الاوروبية الاخرى إذ تنشط داعش في اوساط الشباب الاسبانية في إقناع عموم المراهقين هناك من أصول مغربية بفكرة الانضمام إليها لاسترجاع إسبانيا إلى يد المسلمين كما كانت في العهد الماضي ولتسهيل تمرير هذه الفكرة واقناعهم فيها فقد نشر تنظيم داعش الإرهابي بين أوساط الشباب المسلم في إسبانيا فيديو دعائي يحمل إسم الوعد بإرجاع إسبانيا لسيطرة المسلمين رغبة في تجنيد اكبر عدد من المراهقين والمراهقات الاسبانيلت الى صفوف داعش
و في الحقيقة حلل عدد من الخبراء النفسانيين الأسباب النفسية التي تدفع المراهقات الأوروبيات للإلتحاق بداعش مثل الشعور بالوحدة والرغبة بكسر الروتين ، وبحسب رآي “ جايني هوكيرباي “ وهو مسؤول في مكتب ديوك الدولي لحقوق الانسان في مقابلة له مع شبكة “ ABC” إن إحساس المراهقات بمشاعر الإغتراب و عدم المساواة بالمجتمع وتوق الكثير منهن للمغامرة يدفعهن إلي السعي وراء التغير في حياتهن وكسر روتينها بشي مختلف ومجنون كما و أنه في بعض الحالات قد يكون السبب وراء إنجذاب المراهقات للدواعش هو البحث عن الرومانسية . و تكشف معظم التحقيقات حالات تجنيد النساء الاوروبيات الحديثات العهد بالاسلام بإن معظم حالات التجنيد لهؤلاء تمت من خلال مكالمات أو دعوات مباشرة للإنضمام لصفوف تنظيم داعش للمساهمة في بناء دولة اسلامية جديدة تمكن هؤلاء النساء من العيش في ظلها وممارسة شعائرهن الدينية بكل حرية وما يشجع هذا التوجه في بعض مدن أوروبا هو وجود عنصرية واضحة فيها تجاة المحجبات مما يضايق المسلمات حديثا ويجعل فكرة الهجرة الى دولة إسلامية بالنسبة اليهن فكرة مقبولة وهذا القبول تستغله داعش لمصلحتها في كثير من حالات تجنيد النساء المسلمات حديثا
و صرح مسؤول في مركز دراسات الإرهاب والأمن في أومس لول البرفسور “ ميا بلوم” أن داعش تتبع في ترويجها لجذب المراهقات الاوروبيات اليها و تجنيدهن من خلال اسلوب بيعهن ما يسمى “وهم الهروب من واقعهن” و أردف بلوم إن معظم هؤلاء الفتيات قد رسم لهن في مخيلتهن من قبل عناصر داعش صور من حياتهن المستقبلية في التنظيم وهي صور مملؤءه بالخيال والأحاسيس بالحماية والأمان بمجرد إنضمامهن للتنظيم و بحياة لها جوهر ومعنى يعش فيها مرفهات ومدللات بلا هموم ولا ضغوطات ، و ما يؤكد هذه الصورة الوهمية والخيالية ما تغرد به حسابات تويتر التي من المفترض أنها لسيدات يعشن تحت حكم داعش حيث يصفن حياتهن اليومية من خلال تغريدات تعطي ايحاء إيجابي ومشرق يغري النساء الاخريات الغريبات عن التنظيم للإنضمام إليه لتجربة هذه الحياة السعيدة التي يغردن بوصفها هؤلاء النساء. ومن هذه التغريدات التي تغرد فيها الداعشيات عن حياتهن المريحة ما تدعي فيها : “ أن تنظيم داعش يدفع آجار بيتها ، ويوفر لها مكافآة شهرية و هي في منزلها مسترخية بلا عمل ، كما ان التنظيم يزودها وبقية النساء في التنظيم بمساعدات غذائية ومساعدات للسفر وأنها تعيش بأمان في تنظيم قوي يحمي حدوده أقوى الجنود” كما إدعت مغرده أخرى في صفوف داعش “ أن التنظيم يصرف مبلغ مالي إضافي لكل طفل تلده المرأه في التنظيم “ كل هذه التغريدات الدعائية الزائفة تغري الكثير من المراهقات اللواتي يبحثن عن حياة أسهل وأسعد خاصة في الدول التي يتطلب أن تعمل فيها المراة وترهق نفسها داخل وخارج البيت. وتضيف المحاضرة البريطانية في الدراسات الدفاعية في كلية كينجز في لندن كاثرين براون أن الحسابات النسائية لداعش في تويتر و التي يديرها ربما نساء هن يعملن ليس فقط لأجل التروج بين الفتيات للتنظيم الإرهابي من خلال تقديم الأفكار المثالية لحياة النساء في التنظيم وإنما أيضا تنشط هذه الحسابات الإرهابية في تقديم المشورة للفتيات الراغبات بالهروب والإلتحاق بصفوف داعش من خلال توفير سند عاطفي لهن و مساعدتهن في ترتيبات الهروب و السفر من خلال التواصل مع شبكات تابعة للتنظيم و إيصالهن بعناصر داعش المتواجدين في بلادهن لتسهل عملية سفرهن وإيصالهن إلي حيث يقع التنظيم.
كما و تعد العلاقات الغرامية هي بداية لجذب المراهقات للإنسياق وراء عناصر داعش حيث كشف مسؤول في مركز دراسات الإرهاب والأمن البرفسور “ ميا بلوم” أن تنظيم داعش يلجأ إلى استخدام عناصرها الذكور كطعم لجذب الفتيات عبر وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة وإقناعهن من خلال إستغلال مشاعرهن للسفر والهروب إلى التنظيم حيث يقيم . ويتم وفق نظام داعش للتجنيد بمكافآت الرجل الذي أقنع الفتاة بالسفر للتنظيم بالزواج منها ومن غيرها من الفتيات اللواتي نجح في إستدراجهن للتنظيم . ومن ثم يتم إستخدام هؤلاء الفتيات في جذب و استدراج رجال جدد لصفوف داعش. وقد ذكر “ جايني هوكيرباي “ مدير مكتب ديوك الدولي لحقوق الانسان في لقاء أجراه مع شبكة “ ABC” الإخبارية في يناير كانون الثاني 2016 عن حالة لفتاه امريكية تبلغ من العمر 19 عاما تدعى “ شانون كونلي” حكم عليها بالسجن لأربع سنوات لمحاولتها الذهاب إلى سوريا للإنضمام لداعش وقد كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي أن الفتاه كونلي كانت مرتبطة بعلاقة حب مع احد عناصر داعش والذي تواصل معها من خلال إحدى وسائل التواصل الإجتماعي وخطط لها أمور سفرها إلى الشرق الأوسط واعداً اياها طوال تلك المدة بالزواج منه حال وصولها إلى سوريا.
الحكومات الأوروبية لم تتوقف عند حد القلق من ظاهرة تزايد أعداد المراهقات الهاربات إلى داعش و وقوف موقف المتفرج بل اتخذت عددا من التدابير مثل إنشاء جمعيات وخطوط اتصال ساخنة لإبلاغ الأمهات عن اي حالة او تحول من ابنائهن ينذر بانتمائهم ربما لتنظيم ارهابي وكذلك عمدت هذه الحكومات الى تخصيص ميزانيات مالية ضخمة للانفاق على مكافحة انتشار الارهاب في مجتمعاتها وقد تجاوزت هذه المبالغ الملايين بهدف الحد من تصخم اعداد الشباب المنظمين للتنظيمات الارهابية .
كاتبه في القضايا الامنية
كعادتك دكتوره كوثر متألقة ..
مقال حساس وأكثر من رائع