د. خالد محمد باطرفي

هل نسي الخليج فلسطين؟

كان الحوار مشتعلاً، وجاء من أخوتنا العرب من يتساءل عن موقف السعودية ودول الخليج الحالي تجاه القضية الفلسطينية، وحماس، بعد قمم الرياض.

قلت لهم: كل دولة تسعى لتحقيق مصالحها: أمنها، استقرارها، تنميتها، رفاه شعبها، مكانتها الدولية. وكل حكومة تجتهد من خلال سياساتها وعلاقاتها واسترتجياتها للوصول الى هذه الأهداف. وهذا من حقها بل من واجبها طالما لم يكن في ذلك اضرار بمصالح الآخرين.

وعندما قامت تركيا بإعادة علاقتها بإسرائيل وروسيا وإيران رددت على من اتهمها بخدمة المشاريع الصهيونية والروسية والصفوية بأن السياسة تقوم على المصالح وحسابات الربح والخسارة للوطن اولا ثم لقضايا الحلفاء ومصالح الأصدقاء. ولعل تركيا قدمت لنفسها ولحلفائها خدمات جليلة من خلال علاقاتها المتنوعة.

وعندما اختارت حماس السلاح الايراني وتحالفت مع حزب الله بدلا من الدعم السعودي والخليجي المادي والسياسي قلنا من حقها ان تختار احلافها ومن حقنا ان لا نشارك في المحور الذي أنضمت إليه ولا نساهم فيه. وعلى حماس ان تسال نفسها ماذا استفادت من هذا التحالف وضحت من اجله بكل ما قدمناه لها رسميا وشعبيا طوال تاريخها قبل ان تسألنا لماذا لم ندافع عن خياراتها وسياساتها. ثم ماذا فعل لها الحليف الايراني في سنوات العسل مع امريكا، وكم مرة اثار وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في لقاءاته الحميمية مع كيري قضية حماس او القضية الفلسطينية؟

نفس الخيارات واجهت قيادة الاخوان المسلمين في أكثر من موقف: الحرب العراقية الإيرانية، الغزو العراقي للكويت، الوحدة القسرية لليمن، والعلاقة مع ايران في عهد مرسي، والهجمة الإعلامية على السعودية في كل منعطف ومن ذلك قضية الجزر السعودية (تيران وصنافير) وآخرها مؤتمر القمة العربية الاسلامية الامريكية. وفِي كل مرة كانت القرارات والاختيارات على حساب حلفها الاستراتيجي مع السعودية ودول الخليج التي لا ينكر دعمها لهم في اصعب مراحلهم وأظلمها، وعليها اليوم أن تتحمل مسئوليتها.

السعودية ودوّل الخليج وبقية الخمسة وخمسين دولة عربية واسلامية ليست بحاجة الى ان تشرح أهدافها ومقاصدها لغير مواطنيها من وراء التوقيع على إعلان الرياض والمشاركة في التحالف العربي والتحالف الاسلامي والدولي ضد الإرهاب. ولا في توقيع الصفقات البينية والدولية التي تحقق مصالحها وتخدم اقتصادياتها وأمنها.

ومع ذلك فقد عقدت المؤتمرات الصحفية ونشرت البيانات المفصلة وأتيحت المعلومات والارقام التي تبين المنافع والمصالح في المواقع على النت والصحف ووسائل الاعلام وكلف المختصين بالرد على كل الأسئلة. ويكفي ان اكثر من ٦٠٠ محطة وقناة وصحيفة حضرت القمم وأكثر منها غطى عن بعد. ولذلك لا اجد عذرا لمن يقول انه تنقصه المعلومة، ويبقى الرأي الخاص ملك لصاحبه ورهن قناعاته ومعتقداته ومواقفه.
أما بالنسبة لقضية القضايا، فلم تقم دولة عربية او غيرها بما قامت به السعودية وما قدمته من اجل فلسطين بالدم والمال والمواقف. حاربت مع الجيوش العربية في ٤٨ و ٥٦ و ٦٧ و ٧٣ وتحملت اكبر الحصص في دعم المواجهة العربية مع اسرائيل وقطعت البترول عن العالم من اجل القضية واستشهد ملكها من اجل وعده بالصلاة في القدس وتنازلت عّن مقعدها في مجلس الأمن لعجزه عن حل القضايا العربية وعلى رأسها الفلسطينية وقاومت ضغوط التطبيع وقاطعت منتجات كل الشركات التي تتعامل مع اسرائيل ودعمت المنظمة والدولة وحماس نفسها ولاتزال. في المقابل ماذا قدمت دول “المماتعة” غير الهزائم و الشعارات والنصائح المهلكة. فلا نزايد فضلا على مواقف السعودية من فلسطين.

السياسة هي فن الممكن، وتقوم على تعظيم المصالح وتقليل الخسائر، تبادل المنافع وتفادي المخاطر. والسياسة السعودية والخليجية نجحت في تحقيق ذلك لشعوبها وللأمة، لأصدقائها وحلفائها. أما من خاصمها، فلا تبكي عليه!

د. خالد محمد باطرفي

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button