تتسارع خُطى الأيام لتقف بِنَا على أبواب فرحة شهرٍ منه الخير يتجلى وفيه الفضل يزداد.
فتتسابق عزائمنا لفتح أبوابه بجمع المأكولات بأصنافها والمشروبات بأنواعها تنقلها أيادي الترف على ظهور عربات الإسراف..فتبدأ مراسم صناعة الإفطار من البلاط الذي تشمر فيه المرأة سواعدها حاملةً بالتحدي راية تحطيم الأرقام مستخدمةً جميع أدوات السرعة لإحكام سيطرتها على مقادير المكونات، وفرض حصارها على حافظات الطعام ومقاييس طرق التحضر متفاعلةً مع أجواء الطهي منسجمةً بضجيج أجهزة الخفق والفرم، فتقف للقلي والتقمير وتجلس اللف والحشو والتقشير ..منهمكةً لتقديم أحلى الوجبات وأشهى الأطعمة التي تستقر أطباقها على سُفْرة البذخ و طاولات التبذير ..فيحلّق الصائمون حولها منتظرين النداء وأيديهم تتسابق للالتقاط صورها لتنشرها برامج التواصل في كل الاتجاهات.
وكلّ هذه الطقوس وتفاعلاتها فرضت نفسها على الساحة الرمضانية فتغير نسق الحياة بكل تفاصيلها عن تلك الأيام التي عاش أهل رمضانها يتسابقون على طريق الخير .. فلم يحشدوا لقدومه العتاد ولم يتنافسوا على جمع المتاع، فلا تبذير ولا تصوير ولا مفاخرة ..
وما منعهم الصيام في زمانهم عن قضاء حوائجهم وإنجاز أعمالهم وما ثلم التعب عزائمهم وكسر هممهم عن فعل الخيرات وما ألهاهم النوم عن أداء العبادات، وما جعلوا موائد إفطارهم مادة للاستعراض والتفاخر .
فما أجمل أن نرتقي بقدسية الصيام إلى سمو الحكمة من مشروعيته .. عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ . . الحديث) .
0