خاطرة كتبتها قبل اكثر من 6 سنوات تحدثت فيها عن عملي في افطار الصائم في الحرم المكي لمدة 11 عام .
11 عام من الحب !
هنالك مواسم تحل بشكل جميل على اهل مكة ومن ضمنها موسم رمضان ومن خلال تعاقب الاجيال تستمر خدمة المعتمرين في رمضان وافضل الخدمات وبلا شك هي خدمة افطار الصائمين في عمق الحرم المكي الشريف ..
فتجدهم يتسابقون على افطار الصائمين فتجدهم يحجزون اماكن لهم ليضعون فيها موائدهم ويستمتعوا بإفطار الصائمين من معتمرين وزائرين ..
ولهذه السُفر تاريخ قديم فبعضها تجاوزت المائة عام كما يقول اصحابها بانهم توارثوها كابرا عن كابر ..
وشاءت الاقدار لي بان اكون عضوا في احدى السُفر التي اسسها صاحبها حمدان الشريف قبل اكثر من ثلاثة عقود من الزمن ..
وكانت البداية رائعة حيث انني عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي اخذني والدي الى الحرم وجاء بي الى موقع السُفرة الكائن عند باب العمرة وقال لي انت ستعمل هنا فما رائيك؟، اذكر باني وافقت على الفور وبشغف ..
وبداءة في العمل هنالك حيث كنا نبداء بفرش السفر الساعة الخامسة مساء وبعدها بنصف ساعة نضع الرطب في صحون صغيرة امام كل صائم في تلك السفرة المجيدة وبعدها بنصف ساعة نضع اكواب ماء زمزم على بجوار كل صحن
وبعدها وقبيل الاذان بعشر دقائق تقريبا نبداء بتوزيع القهوة العربية والشاهي على الصائمين واثناء ذالك تدور في مسامعنا اصوات الدعوات ونبرات الابتهالات المنطلقة من افواه صائمة ونفوس مؤمنة طاهرة ..
ومما يجدر ذكره باني كنت اذهب للنساء في الرابعة والنصف عصرا لكي اوزع لهم
الرطب الموضوع في اكياس صغيرة ولفت نظري حينها دعواتهم لي بالزواج ووعودهم الكثيرة لي بإهداء بناتهن لي ان جئتهم الى ديارهم وانا حينها لا امتلك سوى ابتساماتي وقلبي الصغير ..
ودارت الايام وتتابعت في تسارع رهيب وانا ارتاد تلك السفرة لا ادري هي تكبر معي ام انا اكبر ام ان الحياة تحتم علينا هذا التدافع الغريب ..
وبعدها ترقيت واصبحت مسؤولا عن صنع القهوة فكنت استمتع بإعدادها ووضعها في ترامس متعددة ولاتسائلني عن رائحتها الزكية وانا صائم ..
في خضم ذالك الزمن الطويل كونت علاقات رائعة مع من يرتادون السفرة والجميل انهم تعودوا علينا واصبحوا يرتادونها العام تلو العام واكثرهم من خارج السعودية ، اغلبهم من مصر والكويت ان لم تخني الذاكرة ..
حقا اصبحنا عائلة واحدة تنبض بالحب وتزدان بالوئام وتستمر بالسلام ..
بصراحة كان اكثر منظر يسحرني وقوف الناس قبيل الاذان بلحظات يبتهلون الى ربهم تنبثق منهم اصوات الحنين وتعلوا سحناتهم رهبة الصالحين وتراهم في عمق ذالك خاضعين انهم وببساطة الى ربهم فاريين ..
الله ذكريات رائعة وايام مذهلة احدى عشرة سنة من ذهب بل من الماس انها سنوات لا تقدر بثمن كسبت فيها حب الناس ورضا الله وستظل تلك الايام من اجمل ذكريات حياتي .
حمد عبد العزيز الكنتي
0