الأمن الفكري مصطلح مركب من كلمتي الأمن والذي هو نقيض الخوف ويعني الاستقرار والطمـأنينة وكلمة الفكر وهو اداة التدبر والتخطيط السليم ، وعند جمعها فإننا نخرج بمفهوم متمكن عن الامن الفكري وهو حالة من الاستقرار واطمئنان التفكير باتباع السبيل الرشيد، ويظهر من هذا المفهوم الاهمية القصوى له وبخاصة في واقعنا المعاش . وهو من المصطلحات الحديثة فقد ظهر في بعض الدراسات الاجتماعية الداعية لاستقامة السلوك المبني على سلامة الفكر ثم ازداد ظهوره عند ازدياد الحاجة اليه هذه حيث التصرفات والسلوك العنيف في التعبير عن الرفض ومن ذلك التخريب والتدمير في الافراد بالقتل وفي المكتسبات الوطنية بالتفجير واحداث القلاقل.
والعنف هو أكبر مهددات التنمية ، بل هو معطل للتنمية كما أنه يرفع الكلفة المادية للتنمية ولا يترك للأفراد فرصة للمشاركة او المساهمة في انجاح خطط التنمية و يتضح الترابط الوثيق بين الامن الفكري الذي هو اساس الامن السلوكي واستمرار التنمية والتي تستلزم الاستقرار والتعاون في تنفيذها.
ولعل من المفيد التعرض للأسباب التي تؤدي الى الاخلال بالأمن الفكري والتي غالبا ما تتمثل في اختفاء الحقيقة مما يدفع الفرد الى البحث عنها بتلفيق المعلومات وفبركتها او تصديق الشائعات التي تلقى رواجا كبيرا هذه الايام وكلاهما منفذان من منافذ الاخلال بالاستقرار في التفكير اعتمادا على عدم امكانية التاكد من المحتوى المعلوماتي لهذه الوسائل وعدم اهتمام كثير من الناس بصدق المعلومة المرسلة ثم أن توفر الكثير من حيز الفراغ لدى الشباب يعطى الوقت الكافي لتلقي كم هائل من المعلومات والمقاطع التي تؤثر – ولو بمجرد التقي- على المتلقي بحسب مضمون الرسالة. وهناك سبب آخر قوي جدا نجده في بعض المجتمعات ويؤثر في اعتلال الامن الفكري وهو حجم الظلم الفادح الذي يقع على كاهل المواطن وعدم وجود الاهتمام برفعه من قبل مسؤولي الدولة مما يحدو بأولئك الناس الى حل مثل هذه الازمات بالطرق المباشرة دون النظر الى مشروعية تلك الحلول من عدمه ولو اتخذت السلوك العنيف.
أمام هذه المعضلة توصل بعض العلماء ومنهم العلماء النفسيين والاجتماعيين والشرعيين الى مجموعة من التدابير لعلهم يصلون لجيل آمن فكريا سليما ومتعاونا ومن اهم تلك التدابير احتواء المواقع الفاعلة والمؤثرة من قنوات التواصل الاجتماعي بحيث توجه بحسب المسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع والافراد ومصالحه العليا ، ولعل من المتوجب علينا هنا الاشارة الى تحصين النشء للتصدي لكل مادة مفخخة ومحمولة بسبل التواصل الاجتماعي او الاعلام الموجه ومن اهم وانجح طرق التحصين ، النقاش الصريح والشفاف مع الابناء حول كل القضايا التي تمر بناء يوميا وبخاصة ما يتعلق بصراع المصطلحات والأيدولوجيات التي يتبناها الكثير دون العلم بمحتواها ، واعتقد جازما أن من أهم الاسباب التي تدفع بعض الابناء لتبني بعض الافكار الضارة هو الضرب في الثوابت الدينية والاجتماعية والسياسية التي كانت سببا مباشرا في استقرار بلادنا ولفترة طويلة أو التشكيك فيها ، وغني عن القول أن بناء الفكر السليم لدى النشء هو من أهم الأهداف التي يسعى لها الجميع وهذا لا يتأتى الا من خلال النقاش الحر والهادي مع الابناء .
إن شعور الفرد والمجتمع والمؤسسات الحكومية والاهلية بالمسؤولية تجاه الأبناء وتوجيه افكارهم بشكل ايجابي يجعلنا نفكر كثيرا في الاستفادة مما هو متوفر من وسائل الاعلام البديل كما يدعونا الى القيام بخطوات ايجابية تجاه ملاء فراغ وسائل الاعلام بما هو مفيد وتحميله المضامين الإعلامية التي تبني لشبابنا شخصياتهم المسؤولة وثقافتهم العالية بما يدور حولهم من قضايا وماذا يراد لهم ، بل ويتعدى ذلك الى الدعوة لأخذ مكانة مؤثرة ومساهمة بشكل جيد في صناعة الاعلام بشتى صوره.
د. هليل محيسن العميري
جامعة أم القرى – قسم الاعلام
الاتصال التنظيمي – العلاقات العامة