أظهرت العملية الإرهابية الأخيرة في إيران هشاشة الدور الأمني مع أن العملية استهدفت أعلى الهرم أو ما يعتبر السقف الأعلى لدى كل الإيرانيين؛ فمن حيث القداسة ضريح الخميني يمثل الرمز الديني، ومن حيث الهيبة والمثابة يمثل مجلس الشورى الرمز السياسي كمؤسسة كبرى تمثل كل أطياف المجتمع الإيراني، ومن خلال هذا الفشل الأمني يتضح لنا وبجلاء بعض المفاهيم الأخرى، فدعونا نقف على الأقل أمام هذين المفهومين؛ فمن الناحية الفكرية والعقائدية نجد أن المجتمع الإيراني في غالبه الأعم فيما يتعلق بضريح الخميني ليس أمام شخصية دينية بالمعنى الروحي للكلمة، وإنما أمام مؤسسة دينية مؤدلجة فقط، ومرتبطة بسلطة سياسية تفرض معاني القداسة لشخصيات معنية على أن تبقى روح القداسة للسابق كما هو للاحق (المرشد الأعلى) كعقيدة إمامية ووصية اثنا عشرية؛ لاستمرار الثورة الخمينية التي غالبا ما تتحسس وباستمرار لتكتيك آخر ضمن حسابات التغيير الداهمة وخصوصا من الداخل، وتحاول تعزيز ذلك بتراتيل طقسية في الحوزات العلمية من قبل الملالي؛ لترسيخ مفهوم أبعد وهو ولاية الفقيه أملاً في تصدير الثورة إلى الخارج، ويعمم ذلك في الكتاب والخطاب بمفاهيم متجاوزة تعلي من الشأن حد القداسة كمقولة (قدس الله سره)، وهذا ليس بدعاء وإنما اعتقاد بالنقاء الخالص والمعصومية التامة، الأمر الذي يتولد عنه انقياد تام وتبعية وثيقة ودائمة لدى الشيعة للمرشد الأعلى، وهنا يتكشف الإلغاء الحقيقي للعقول عكس مفاهيم الذكر الحكيم(أفلا تعقلون)، بل وحتى الخذلان التام للسمع والبصر والفؤاد(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا). أقول إن جموع الناس ظهرت وهي غير مبالية، لاسيما أثناء وقوفهم أمام الضريح، وهذا على غير ما يسوّقه الإعلام فالقراءة الأولية للإنسان العادي يدرك أن الناس في إيران أبعد مما تسوقه الحكومة حول مفاهيمها المغلوطة.
أما من الناحية الأمنية فإن واقع الحال وقت الحادثة في طهران خلاف ما يصل إلينا وعكس ما يبث عبر قنواتها الإعلامية سواء الرسمية أو المأجورة؛ فقد ظهر الدور الأمني خجول جدا ومتعثر ، مرتبك حد الذهول، والناس غير أبهين بما يحدث، فلم نلمس ضجر المواطنين جراء المواجهة، وكان الأمر لا يعنيهم والموضوع بدا أشبه ما يكون بحالة تشفي في الدولة والأجهزة الأمنية؛ حيث ظهر الجميع وكأنه ينشد الصراع الداخلي أو الثورة على النظام، وقد شاهدنا ذلك من خلال وسائل الإعلام، وشاهد الجميع أن جموع من الناس تقف بجوار أسوار مبنى البرلمان، ومن جميع جهاته دون وضع سياجات أو حواجز أمنية، وكذلك بدت الصور حول الضريح وبطريقة تدرك من خلالها فشل العمل الأمني، فالدراسات الأمنية تشير أن ذلك يعود إلى سوء التنظيم وفقدان لمركز عمليات مشتركة للطوارئ والتدخل السريع، كما هو في أقل بلدان العالم قدرة وقوة؛ ليتسنى للأمن الإمساك بالخيوط الأولية لمعرفة الجناة، ومن ثم الشروع في المتواليات الأمنية وبالتالي معرفة الجهات التي تقف وراءهم كمرحلة أولى للشروع في عملية أمنية راصدة لكل الجوانب، وهذا يثبت هشاشة الأمن وبان على حقيقته؛ فقد ظهر عاجزا تماما عن تطويق المكان مما يؤكد الفشل الأمني الذريع لمعرفة من هم في دائرة الحدث فضلا عن سواها، كما هو معهود في مثل هذه الظروف من الحوادث الأمنية، وعزا بعض المراقبين سبب ذلك أن كل جهة أمنية في طهران لا تعرف دورها بالضبط في الوقت الذي تشير فيه الدراسات أن جميع الشعب الإيراني يعمل ضمن برنامج التعبئة (الباسيج)، وأن هناك جهات تعمل وفق الحالة الطقوسية كعاشوراء والزهراء وغيرها، وأن التنظيم الفعلي لهذه الجهات هو كل الأماكن كالمصانع والمكاتب الإدارية والمؤسسات التعليمية، وبهذه الطريقة من الصعب جدا ضبط الأمن أو تحديد المسؤوليات وهذا هو العمى بعينه، ومن هنا أدعو العالم الإسلامي، وكل النخب الأكاديمية والسياسية أن تنظر لهذا الفشل في داخل إيران، وفي مقر زعامتها طهران فكيف لها أن تقود العالم الإسلامي أو تتقدمه حسب زعمها.
جماع القول سعت ولاية الفقيه في إيران طوال سنوات مضت ومن خلال إلغاء عقول الناس إلى تقديم نموذج يوازي الدين نفسه (المرشد الأعلى)، لكنها فشلت وبدأت تتكشف لمجتمعها قبل غيرهم من الأتباع بأنها مؤسسة دنيوية التحفت بأيدولوجيا معينة، وعززت في المجتمع مفاهيم المظلومية من خلال اجترار تاريخ مغلوط ومزور وبعد أن تبين الرشد من الغي تبقى إيران في ظلالها والمجتمع في غيّه. وإلى لقاء…
عوضة بن علي الدوسي
ماجستير في الأدب والنقد
4
كاتبنا الكبير / الأستاذ عوضه الدوسي
قراءة رائعة في الملف الداخلي الإيراني الذي انكشفت عورته بعد التفجير الأخير وهو يعتبر الأول بعد علاقته المشبوهة بالقاعدة وداعش وحزب اللات في لبنان والحوثيون في اليمن ….لكن ما أخشاه أن ذلك الانفجار حدث بفعل فاعل من الداخل الإيران وبالتحديد الحرس الثوري لإهيام الغرب ومن يتهمها بالإرهاب وهي كذلك لتقول للعالم انتم تتهموننا بأننا نتعاون مع الإرهابيين ولو كان الأمر كذلك لما حدث لنا ذلك ….علما أن هناك إيرانيون يتسألون لماذا أخليت الساحة قبل سويعات من الإنفجار ؟؟؟ وهنا مربط الفرس كما أن الفرس المجوس يعرفون كيف يحولون أنفسهم الى ضحية في غضون دقائق …انا شخصيا لا أصدق إعلام المجوس ولن تنطلي علي أقاويلهم فهم كذابون ومارقون الى ان تقوم الساعة.
تسلم استاذ سعيد وتحليلك للموضوع منطقي
تحليلي الشخصي لا يتعارض مع ما ذهبت إليه استاذ عوضه الدوسي فأنتس أستاذ للجميع حفظك الله والعين لا تعلو على الحاجب دائما مقالاتك في الصميم ولا بعد عربي وإقليمي وعالمي فمقال بهذا الحجم لن يزيده أو ينقصه رد مني أو من أطراف أخرى فكلها لا تعدو وجهات نظر وإجتهاد قد نخطيئ ونصيب.
عندما يتواضع الكبار فانك تعجز ان تنصفهم او تكافئهم