إن كانت شياطين الجن قد قُيِّدت في شهر رمضان المبارك، فإن كثيراً من شياطين الإنس ما زالوا أحراراً طلقاء، يقطعون طريق الهداية بألوانٍ من الشبهات والشهوات، ويكدرون صفاء الطاعة بأصناف من المغريات والملهيات.
ولا يهدأ لهؤلاء بال حتى يُفْرِغوا الشهر الكريم من محتواه ليَخرُج من استجاب لهم من رمضان صِفْر اليدين، ليس له من صومه إلا الجوع والعطش.
المسلسلات التي لا تخلو من مشاهد تغتال الحياء، والأغاني التي لا تفارقها الخلاعة والمجون، والفوازير التي لا تحيد عن المياعة والسخف، والألعاب التي لا تسلم من الإسفاف والإسراف هي بعض الأسلحة التي يجابه بها قطاع الطريق ضحاياهم في الشهر الفضيل، ويجذبون بها ضعاف النفوس الذين قصروا معنى الصوم على الامتناع عن الأكل والشرب و(رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ صَوْمِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجة بسند صحيح برقم (1690).
ويصوِّر قطاع الطريق الذين ينشطون منذ وقت طويل لتحقيق مآربهم بمجرد انتهاء رمضان الماضي استعداداً لرمضان الحالي، ويصوِّرون الشهر الكريم ضيفاً ثقيل الظل يكتم على الأنفاس ويكبل الحريات، لا بد أن ينشغل الواحد عنه بالملهيات والمصارف والمغريات؛ حتى يمضي إلى حال سبيله غير مأسوف عليه!
وما يدعو للاستغراب أن شياطين الإنس ينشطون في مواسم الطاعات أكثر من غيرها، كأنهم يدفعون تأنيب الضمير الذي يتعاظم في نفوسهم كلما رأوا الناس مقبلين على طاعة الله، أو يحسدون الناس على التقوى والاستقامة والإنابة.
إنها أيام معدودات، لا تتجاوز 720 ساعة كما يقول أهل الحساب، وكل ما يعد يمكن أن يُدْرَك، ولكنها أيام قد تمضي بلا رجعة؛ فمن استثمرها في عبادة الله، وقاوم قُطَّاع الطريق بسلاح الإيمان والتقوى فقد ربح تجارة لن تبور، وخرج بمكافآت جليلة ومنح عظيمة، منها العتق من النيران، والفوز بأعلى الجنان، ومغفرة السيئات، ومرضاة رب الأرض والسماوات.
أما من استجاب لقُطَّاع الطريق واستسلم لهم دون مقاومة تُذكر؛ فقد خرج من الشهر المبارك بتضعيف السيئات، وتضييع الحسنات، لا يملك سوى خفي حنين، ولا يحمل غير الخيبة والحسرة، لذا كان مستحقاً بجدارة دعاء جبريل خير الملائكة الذي أمّن عليه النبي عليه الصلاة والسلام خير البشر: (رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ ) رواه مسلم (2552).
علي صالح طمبل