تسربت فكرة إنكار السنة جملة وتفصيلا في القرن الثالث عشر الهجري إلى بعض البلدان العربية وغير العربية من خلال الدراسات الاستشراقية التي استوطنت بلاد المشرق عموما ، واتخذت شكلا منظماً في شبه القارة الهندية منذ أوائل هذا القرن ، فظهر في الهند وباكستان جماعة تنادي بعدم الاحتجاج بالسنة في الأمور التشريعية ،وسموا أنفسهم ( بأهل القرآن ) لاكتفائهم بأخذ الأحكام من القرآن وحده دون السنة).
ولمثل هؤلاء نقول : إذا كان القرآن الكريم هو أصل الشريعة الاسلامية ومصدرها الأول ، فإن السنة النبوية الكريمة هي المصدر الثاني من مصادر الأحكام الشرعية التي تستنبط منها الأحكام بعد القرآن الكريم ، فهي المبينة لمجمل القرآن ، المقيدة لمطلقه ، المخصصة لعامه ، وفيها أحكام تشريعية كثيرة مستقلة عن القرآن ، إذ السنة وحي من الله تعالى ، فإن الباحث إذا لم يجد فى القرآن الكريم الحكم الشرعي مما يريد معرفته من أحكام دينه ، لجأ الى السنة النبوية ، يبحث فيها عما يريد ، لقوله جل شأنه مخبرا بأنها من عنده تعالى ، وأن كلام هذا النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر وحيا من الله ؛ يقول تعالى : ( والنجم إذا هوى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ).
والسنة النبوية الكريمة في كل الأحوال مبينة للقرآن الكريم ، وموضحه لمبهمه ،وشارحة لآياته ، كما قال تعالى ( وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس مانزل اليهم ).
وفي السنة مزيد بيان للتوحيد والإيمان ، وأعداد الصلوات ومواقيتها ، ومقادير الزكوات وأنصبتها ، ومناسك الحج والعمرة ، وأحكام الصيام ، وكثير من المعاملات والأخلاق ، والآداب والسلوك التي وردت مجملة في القرآن الكريم ، فبينت كيفية أدائها السنة. وإذا كان الأمر كذلك :
فإن علينا أن نتمسك بالسنة النبوية كتمسكنا بالقرآن وأن نسير عليهما معاً.
ولانلتفت إلى مايكتبه بعض الكتاب على صفحاتهم الفيسبوكية من اكتفاءهم بالقرآن دون السنة ، وعند مناقشتهم في حكم مجمع عليه يقولون : أين دليله من القرآن ؟ ، وماعلم هؤلاء أنهم بهذا القول يحققون هدفاً من أهداف أعداء الإسلام في هدم مصدر من مصادره التشريعية ، ليسهل الإنقضاض على المصدر الأول بعد ذلك.
فلنحرص على ماصح من سنة نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وماصح وثبت من سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده ، ولو خالفنا من خالفنا من الناس.
( فلاوربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ).
وهذا هو نهج بلادنا ، بلاد الحرمين الشريفين ( المملكة العربية السعودية ) ولله الحمد ، با رك الله فيها وفي قيادتها.
وتقبل الله طاعتكم وأسعد جميع أوقاتكم .
أ.د. عبدالله عيضه المالكي