علّق أحدهم في حوار جمعني مع مجموعة عربية- تركية على الواتس: “أنتم في السعودية، بلاد الحرمين، ترتمون في أحضان أمريكا وإسرائيل! فسّر لي لماذا وكيف يلتقي بعض المحسوبين عليكم مع مسؤولين إسرائيلين، وترضخ السعودية لمطالب ترامب، ولا تردون عليه عندما يهاجم حماس ويتهمها بأنها إرهابية؟”.
قلت له: “أينما كنت، انظر حولك! لا أعرف أين تقيم، ولكن لو كنت في بلد مشرقي، فغالبًا ستجد أن الإسرائيلي، قبل الأمريكي، يقف الى جوارك. لهجتك عراقية، ولإسرائيل وجود رسمي في شمال العراق، وتدرب قوات البشرمكية الكردية، وتعمل وتستثمر شركاتها في أربيل عيني عينك. وإن كنت من المهاجرين إلى الأردن أو مصر أو تركيا أو بعض دول الشمال الأفريقي والخليج العربي، فكل هذه الدول وقعت مع إسرائيل وأمريكا اتفاقيات تعاون عسكري ولها علاقات دبلوماسية وتجارية وتعليمية، وآخرها صفقة الـ١٢ بليون دولار لشراء ٣٦ طائرة أف ١٥ أمريكية.
وفي المقابل رفضت السعودية القواعد الأمريكية والتطبيع مع إسرائيل رغم الضغوط الدولية الهائلة عليها. وأصرت على أن الحل مع إسرائيل يكون من خلال المبادرة العربية للسلام، وبموافقة الفلسطينيين. وامتنعت عن أي تعاون مع الكيان الصهيوني في أحلك الظروف، كحرب تحرير الكويت، والمواجهة الحالية مع إيران، رغم الأعداء والحلفاء المشتركين.
وعليه، فإن العدل يقتضي أن تبدأ بانتقاد من ثبت تحالفه مع أمريكا وتعاونه مع إسرائيل قبل أن تزايد على بلد تتهمه في نواياه ولم يثبت عليه ذلك. وإذا كان امتناعك عن النقد للدولة المستضيفة تقديرًا منك لحق الضيافة، وتحوطًا لردة الفعل، فما الذي يمنعك عن انتقاد الدول الأخرى! أم أن استهداف السعودية هو الهدف! والتطاول على بلاد الحرمين هو المطلوب! والتجاوز على حكامها هو التوجيه!”
شارك في الحوار عرب آخرون، والغريب أن أكثر من أيّد “الأخ المجاهد” وزايد على ماقال ينتمي إلى جماعات كالإخوان المسلمين وحماس، وهي أكثر المستفيدين من الدعم القطري والتركي، وتقيم عناصرها في بلدين تنتشر فيهما القواعد الأمريكية والمصالح الإسرائيلية، وانطلق منها الغزو الأمريكي للعراق. ورغم ذلك فقنواتهم وصحفهم ومواقعهم التي تلعن إسرائيل وأمريكا في الليل والنهار، وتندد بمن صافح إسرائيليًا في مؤتمر دولي، وتعلن الحرب على كل من يتناهى إلى سمعهم أنه ربما يفكر في التصالح مع الكيان الصهيوني، أو لديه حلفًا مع أمريكا، له بنوده السرية، ثم تغفل عمن أعلن التحالف علنًا وبلا خجل !!
هؤلاء خلطوا الدين بالسياسة، واستخدموا الإسلام لتمرير أجندتهم الخفية. رفعوا راية “الإسلام هو الحل” للوصول إلى السلطة، وعندما وصلوا للحكم لم يقطعوا علاقة بلادهم مع إسرائيل وأمريكا، وأضافوا إليهما إيران. وعندما تواجههم بهذا التناقض بين المبدأ والممارسة، يحدثونك عن فقه الواقع، والضرورات التي تبيح المحرمات، والظروف الحاكمة، والإرث الثقيل … يجدون لأخيهم سبعين عذرًا، ولكنهم لا يجدون لغيره عذرًا واحدًا، وكأنما الإخوة محصورة في الجماعة، وفي داعميها ومموليها.
الغريب أن هذه الجماعات لا تنكر دعم السعودية لها منذ قيامها. وأن بلاد الحرمين آوت قياداتهم وأفرادهم وحمتهم من الاضطهاد الذي تعرضوا له في بلدانهم، بشرط الامتناع عن العمل السياسي، وعدم بث الدعايات والتجنيد داخل البلاد. وأن المملكة لم تغير موقفها إلا بعد أن نكثت هذه الجماعات بعهودها ومواثيقها في الداخل، وتعاونت في الخارج مع كل عدو، كعراق صدام حسين، وإيران الخميني، وفي كل موقف، كاستعادة الجزر السعودية من مصر، وقمم الرياض.
والغريب أن حماس لاتزال تتلقى الدعم المادي السعودي لمشاريع التنمية والأنشطة الخيرية والاجتماعية، رغم إصرارها على التحالف مع أعداء السعودية، كإيران وحزب الله، ورغم تفننها في ذم السعودية ومديح قطر وتركيا، والسماح بنشر التشيع في فلسطين.
نفس هذه الجماعات التي تبكي وتلطم كل يوم على السنة من ضحايا الحشد الشعبي والحرس الثوري وحزب الله في العراق وسوريا، وتلوم السعودية والأمة العربية والإسلامية على تقصيرها في الدفاع عنهم، تغفل تمامًا الدعم القطري المباشر للمجرمين، ولا تشير إليه، فضلًا عن أن تنتقده بكلمة واحدة. تنتقد المملكة على صفقات التسلح مع أمريكا، وتتجاوز عن صفقات قطر.
وما انتهت إليه أحوال هذه الجماعات منذ قيامها، ليس ببعيد عن نواياها وأفعالها، ودعك عن أقوالها. وخطاب المظلومية التي امتد قرابة قرن من الزمان، لم يشمل يومًا نقدًا ذاتيًا لأخطائهم حتى عندما وصلوا إلى سدة الحكم أو شاركوا فيه. ففي أدبياتهم الظلم واقع عليهم نتيجة لمؤامرة كونية، يشترك فيها المسلم والكافر، القريب والبعيد، في “جاهلية القرن العشرين” .. ولكن نصر الله قريب! لم يقترب النصر بعد ثمانين عامًا، ولا أحسب أنه سيتحقق ما بقي حالهم على ماهو عليه، ذلك :(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ). وحسبنا الله ونعم الوكيل!
د. خالد محمد باطرفي