خطت المملكة العربية السعودية خطوة أخرى من خطوات انتقال السلطة بكل سلاسة وهدوء، وذلك مع إعلان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وليًّا للعهد، وكان واضحًا حجم الهدوء والاستقرار في بيت الحكم مع قرار مركزي كهذا، والأكثر جمالًا ورقيًّا كان في موقف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف الذي سلم مقعده لعضيده بكل وفاء وحكمة، بل وبكل اطمئنان وراحة بال، مبايعًا إياه على السمع والطاعة، ومُشدًا من أزره.
بهكذا خطوة سياسية أيضًا جرى تعميد الانتقال إلى جيل الشباب، لتبدأ الدولة حياة متجددة مع بداية قرن جديد، كما كانت بدايتها في القرن الماضي مع الملك المؤسس عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، ذلك الشاب الذي كان له الفضل في توحيد أرجاء المملكة العربية السعودية وتأسيس مرتكزات بنيانها التنموي، واليوم نحن مستمرون مع حفيده وفي كنف ابنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله-، نستشرف مرحلة جديدة من التنمية والبناء، ولكن وفق معطيات ومفاهيم واحتياجات القرن الواحد والعشرين. ولا أتصور أن ذلك غائب على القيادة الرشيدة التي استشعرت ضرورة بناء رؤية مستقبلية، تعمل جاهدة على تنفيذها في الوقت الراهن، مدركة بوعيها السياسي أن ذلك لن يتحقق بأكمل صورة، إلا مع ترسيخ دولة المواطنة التي أرادها الملك المؤسس وأبنائه الملوك من بعده وصولًا إلى هذا العهد الميمون.
إنها الدولة التي لا تفرق بحسب الطائفة والمذهب، ولا بحسب العرق والمنطقة، وليس استنادًا لمنطوق قبلي أو وجاهي، فالكل سواء بين يديها، والمكان للأكفأ. وهو ما كان قد شدد عليه الملك المؤسس في كثير من أحاديثه ومن ذلك قوله: “لا يسأل أحد عن مذهبه أو عقيدته، ولكن لا يصح أن يتظاهر أحد بما يخالف إجماع المسلمين، أو يثير الفتنة”؛ وقوله: “إنني خادم في هذه البلاد العربية لنصرة هذا الدين، وخادم للرعية، إن الملك لله وحده، وما نحن إلا خدم لرعايانا، فإذا لم ننصف ضعيفهم، ونأخذ على يد ظالمهم، وننصح لهم، ونسهر على مصالحهم، كنا قد خنا الأمانة المودعة إلينا. إننا لا تهمنا الأسماء ولا الألقاب، وإنما يهمنا القيام بحق واجب كلمة التوحيد، والنظر في الأمور التي توفر الراحة والاطمئنان لرعايانا”؛ واهتم بأمر نهضة بلده لتكون في مصاف الدول المتقدمة كما ورد في قوله: “إنني أرى من واجبي ترقية جزيرة العرب، والأخذ بالأسباب التي تجعلها في مصاف البلاد الناهضة، مع الاعتصام بحبل الدين الحنيف”؛ وشدد في خطبة أخرى على أهمية العدل لبناء أي مجتمع ودولة البناء الصحيح بقوله: “وعلى كل فرد من رعيتنا يحس أن ظلما وقع عليه، أن يتقدم إلينا بالشكوى، وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق أو البريد المجاني، على نفقتنا، وعلى كل موظف بالبريد أو البرق أن يتقبل الشكاوى من رعيتنا ولو كانت موجهة ضد أولادي وأحفادي وأهل بيتي. وليعلم كل موظف يحاول أن يثني أحد أفراد الرعية عن تقديم شكواه، مهما كانت قيمتها، أو حاول التأثير عليه ليخفف لهجتها، أننا سنوقع عليه العقاب الشديد. لا أريد في حياتي أن أسمع عن مظلوم، ولا أريد أن يحملني الله وزر ظلم أحد، أو عدم نجدة مظلوم، أو استخلاص حق مهضوم، ألا قد بلغت، اللهم فاشهد”.
بهذه الروح وتلك الرؤيا جرى تأسيس هذا الوطن مع بدايات القرن العشرين، وبذاتها يكون تأكيد هذا التأسيس المتين مع بدايات القرن الواحد والعشرين، ونحن مؤمنون أن ذلك سيكون في ظل كثير من التنظيمات والأجهزة المؤسساتية القائمة.
أشير إلى أن من المهم أن يكون لدينا (قادة ومواطنين) إدراك واعٍ بحيثيات القرن الجديد الذي نستشرف بداياته، وأن نعمل على التفكير بحيثياته وفق رؤية مستقبلية وبذهنية متجددة وليست ماضوية، ونستوعب جميعًا حجم المخاطر المحدقة بنا، ومصاعب التنمية والاستقرار الاقتصادي التي يمكن أن نواجهها، وفي سبيل ذلك ليس أمامنا إلا تكثيف جهودنا صوب تنمية أنفسنا، بعيدًا عن أي تشتيت خارجي يراد لنا أن نغرق فيه، ودون أن يكون لنا فيه أي مصلحة حقيقية.
حفظ الله الوطن، وحفظ ولاة أمرنا، وأدام علينا نعمه، إنه سميع مجيب الدعاء.
د. زيد بن علي الفضيل