المقالات

إن لم..فمن..؟! الفعل المجهول، والفاعل المستتر؟!

في المقالة الثانية من تحليل كتاب(إن لم..فمن..؟!) نتناول النسق الأسلوبي لعنوان الكتاب الذي ابتدأ بـ : (إن)الشرطية، لفعل منفي لم يسمه..إذ ترك نقاطا ثلاث لإعمال العقل في التخيل اللفظي..للفعل الشرطي الذي أبهمه المؤلف..والسؤال التعجبي (فـ من؟!) الذي كان جواب الشرط فيه أيضا مجموعة نقاط مبهمة..يحيل القارئ للبحث خارج النص، وفي ثنايا الكتاب، وبين سطوره عن فك الشفرة وحل اللغز..ماهو عنوان الكتاب الذي جعل في غلافه جملة تشير لمفتاحه (كتاب ليس فيه أنا)!!! هل هذه إشارة ذات أبعاد ثقافية،ونفسية، وهل هي مرتبطة بفراغات العنوان، واسم الكتاب المبهم.
للإجابة على هذا السؤال، ولمحاولة تحليل الخطاب، وفك شفرة العنوان، لابد من الاستعانة بالموروث الثقافي للمؤلف، فقد كتب مقالة منذ سنتين بعنوان: إن لم نلبِ..فمن يلبي؟!
تحدث فيها عن أحوال الأمة الإسلامية التي هي بأمس الحاجة اليوم إلى الأنموذج القدوة الذي يستعيد لها أمجادها المفقودة، وليس هناك من هو مؤهل لهذه القيادة إلا من بنى هذه الحضارة، وهم أهل الجزيرة العربية الذي يقومون على خدمة الحرمين الشريفين، وفي ختام مقاله تساءل بقوله: (الإسلام ينادي: فإن لم نلبِ..فمن يلبي؟!)
يؤكد ذلك قوله في ص 186 من الكتاب:(لقد أكرمنا الله بجوار بيته العتيق، والكعبة المشرفة، ووهبنا الأمن والاستقرار، والعيش الكريم، فحق علينا الشكر بالقول والعمل، وحمل الرسالة والأمانة، وأن نثبت للعالم أجمع أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وأن السعوديين أحق بتأكيدها، فهل نفعلها..؟إن لم..!! فمن..؟!)

هذان النصان يكشفان أن المقصود بفعل الشرط المنفي: القول والعمل، الفعل والاستجابة لنداء الآخر( إن لم نلبِ..فمن؟) إن لم نؤكد هذه الحقيقة للعالم، فمن يؤكدها؟ إن لم نبادر، فمن يبادر؟ إن لم نسارع، فمن يسارع؟! إن لم نفعل، فمن يفعل؟!
وأن الفاعل هو الإنسان في هذه المنطقة..
ثم إن قراءة مابين السطور في مفتتح الكتاب يكشف سر العنوان المبهم، إذ قال عن سبب تأليفه: (ولي ولك إخوان طلبوا مني الكتابة فاعتذرت، وألحوا فاعتذرت، وأحرجوني بالعتب، فاستجبت،وكتبت..) مما يؤكد أن تأليفه لهذا الكتاب جاء استجابة لدعوة: فإن لم يلبِ!! فمن يلبي؟! كما أن تأليفه جاء بعد إلحاح شديد من جمهوره ومحبيه: فإن لم يقدرهم..فمن يقدر؟ كما أن تجربته في الحياة لا يجيد كتابتها سواه ـ كما قال له أحد محبيه ـ :فإن لم يكتبها..فمن يكتبها؟!!
وهذه تأويلات مختلفة لا أكاد أشك في أن المؤلف كان يقصد أحدها، بل أجزم متيقنا، أنه أرادها كلها، ومن هنا ترك فعلها مجهولا..وجوابها كذلك..وقد أحسن إذ فعل..فماكان مجهولا عن الحس، تتوق له النفس، وتذهب معه كل مذهب، وتطلب له كل مطلب..

أما جملة (كتاب ليس فيه أنا) التي وردت في غلاف الصفحة الأخيرة من الكتاب، فتشير إلى الفاعل المجهول لفعل الشرط المنفي، والقصد منها التخلص من الأنا، والذاتية، والنرجسية، وحكاية التجربة الإنسانية بكل أبعادها الثقافية التي تعبر عن كل مواطن عشق تراب أرضه، ليس المؤلف (أنا) فحسب، بل(أنت) أيضا: ( لأنني منك وأنت مني.. وكلانا بأغنية الوطن نغني..) إنها تجربة كل السعوديين الذين عاشوا فترة التحول الأولى في عهد الملك المؤسس، وفترة التحول الثانية في عهد الملك المنظم، وأدركوا فترة التحول الثالثة في عهد الملك المجدد(فإن لم يكتبها السعوديون،فمن يكتبها؟!!!

د. ناصر السعيدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى