أعلنت القنوات الإخبارية العالمية امس الجمعة الرابع عشر من يوليو 2017م، خبرا كان يمكن أن يكون صادما ومثيرا لهزة كبيرة في وجدان أمتنا العربية والمسلمة قبل سنوات من الآن، لكنه اليوم لم يعد كذلك، بل أتصور أنه لم يأبه له أحد. يحكي الخبر: قيام سلطات الاحتلال الاسرائيلي بمنع المصلين من أداء فريضة صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، وهو حدث لم يحصل منذ عقود طويلة.
خبر كهذا كان يمكن أن يُخرج الناس في مظاهرات عارمة، ويُشغل الخطباء والعوام في حديث لا ينتهي حول خطورته، إذ كيف يتم تعطيل فريضة صلاة الجمعة في ثالث المساجد المقدسة للمسلمين. غير أن كل ذلك لم يحدث كما أتابع الآن، بل أرى الخبر وقد تم تنسيق تلاوته في منتصف النشرات الإخبارية، ويمكن ألا يتم ذكره بعد ذلك.
وواقع الحال فليس غريبا أن يأتي هذا الحدث بالتزامن مع احتفاء العرب والمسلمين بنهاية حكومة “داعش” الإرهابية، التي أساءت إلى الدين الإسلامي وشوهت مقاصده بسلوكها الإجرامي البعيد عن قواعد الرحمة والفهم الحقيقي لمقاصد الشريعة المحمدية الغراء.
والسؤال الذي تبادر إلى ذهني هو: هل يقتضي انتهاء القضية الفلسطينية بانتهاء كل مظاهر ما يسمى بالإسلام السياسي؟ بمعني: هل هناك ترابط بين اهتمامنا كأفراد وجماعات بتوالي أحداث القضية الفلسطينية ووجود أدبيات الخطاب السياسي الاسلامي؟
في قناعتي أن ذلك ليس شرطا لازما، بل لو رجعنا للوراء قليلا لوجدنا أن حالة النضال الفلسطينية ومقاومة المحتل الصهيوني، كانت مرتبطة بالتيارات القومية (يمينية كانت أم يسارا)، فهي من ضحى أفرادها ذكورا وإناثا في سبيل مقاومة ومواجهة سياسات الاحتلال الصهيوني البغيض، وكانت في حينه تفتُّ في عضد الكيان الغاصب، بل وتؤثر في خلفيات المجتمعات الأوربية الداعمة للكيان الصهيوني، باعتبار أنها جماعات مناهضة لقوى الاحتلال، ليس بسبب خلفيته الدينية، وإنما بسبب ظلمه وتعديه ومخالفته للقوانين الدولية.
ولذلك حرصت القوى الخفية على خلق جماعات بديلة لأولئك القوميين ليتزعموا الصراع، وليخرج عن مضمونه المدني إلى مضمون آخر يمكن أن يُفزع اليهود من جهة، والقوى الغربية الداعمة لهم من جهة أخرى. وكان من جراء ذلك أن برز في الأفق نمط الاسلام السياسي، والجماعات الدينية المسلحة، وتراجع الخطاب القومي المدني، ليحل محله خطابا راديكاليا بنكهة دينية. وباتت قضية فلسطين محصورة في تحرير المسجد الأقصى بمعزل عن كنائس بيت لحم وفلسطين الأبية، وبمعزل عن الإنسان الفلسطيني مسلما كان أم مسيحيا أو حتى من غير ذلك.
وهكذا تداعت الأحداث خلال النصف الثاني من القرن العشرين، دون أن ندرك مغزاها، ودون أن نتوقف مليا للتفكير في حركتها، وإنما كنا مندفعين للتقدم بسرعة في مسارات لسنا نحن من اختارها، ولا نملك خارطة لها أيضا. وتلك كانت كارثتنا في القرن العشرين، ولا نزال على ذلك حتى اليوم للأسف. وأذكر أني قد كتبت مقالات متعددة تحت عنوان “العرب والغيبوبة الكبرى” تصف واقعنا التعيس، الذي لم نستطع الخروج من أزماته حتى اليوم.
***
في ذات السياق أدرك الصهاينة بوعيهم منذ البدء صعوبة قبول المجتمع الغربي الحديث لإعلان قيام دولة اليهود الدينية مالم يتم التحضير لذلك بعناية، وحتى يتم الأمر عملوا على تحضير العالم للقبول بذلك بكل سهولة ويسر، وبنوا خريطتهم الاستراتيجية التي استفرغوا وسعهم بكل ذكاء وحنكة لتنفيذها بحكمة وهدوء.
كانت البداية تقتضي تحييد كل صوت قومي مدني مناهض لهم، وتم لهم الأمر بتقديم صورة المقاومة الدينية، التي بدأت تتخلق مع نهاية حقبة السبعينات الميلادي، وأعلن عن مولدها مع مطلع الثمانينات بقيام حركة جيهمان، ثم الجهاد الأفغاني في الجانب السني، وقيام الثورة الاسلامية في إيران وتداعياتها في العراق ولبنان في الإطار الشيعي.
وهكذا أخذ الخطاب القومي المدني المعتمد على مرجعيات القوانين الدولية والحقوقية في المقاومة في التراجع، وصار الصوت الديني الاسلامي المرتكز على رفعة المسلمين على غيرهم، ووجوب أن يخضع الأخر لسلطة الاسلام بحكم أنه الأفضل والأصح والأعلى هو الطاغي.
وبدأ المجتمع الغربي يلاحظ حالة التمايز بين الخطابين الاسلامي الأصولي الراديكالي، الذي لا يقر بالحقوق المدنية المتساوية بين الناس بناء على المشروعية الإنسانية، وإنما يؤمن بالتمايز بين الناس بحسب الدين والمعتقد، والذي جرى تمثيلة عيانا بعدد من المتشددين المسلمين الذين تم استضافتهم في لندن وغيرها من العواصم الأوربية، كأبي حمزة المصري، وأبو قتادة الأردني، وغيرهم من الشخصيات المتشددة في أفكارها ضد الآخر الذين يعيشون في كنفه، لكنهم يقومون بتكفيره ولعنه واستسخافه علنا في كلماتهم ولقاءاتهم المتلفزة، ولم يكن ذلك لشيء سوى لتهيئة المجتمع الغربي للقبول بفكرة الخوف على دولة إسرائيل المدنية من هؤلاء، لاسيما وأنها قد نجحت في تقديم خطاب مدني يُعطي الحقوق للأخر بمنأى عن دينه، والمتمثل في عرب فلسطين، الذين يتمتعون بالحرية في أقوالهم وخطابهم، بل ولهم ممثليهم الأحرار في البرلمان الإسرائيلي.
حتى إذا استوى الأمر، ورأى من يدير المشهد في إسرائيل أن الساحة العالمية قد باتت سانحة للبدء بالتحضير لإعلان دولتهم اليهودية القائمة على أسس دينية بحتة، قاموا بتنفيذ خطواتهم الأخيرة في المرحلة الأولى من مخططهم، وذلك بالتسهيل لإعلان ما تسمى بـ”الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام” المختصرة باسم “داعش”، التي عكست كل تشوه في النفوس، ومارست أبشع الجرائم الإنسانية من حرق وذبح وقتل عبثي باسم الإسلام، وبالتالي فطبيعي أن يحافظ المدني الإسرائيلي على حياته، ومن حقه أن يُعلن عن هويته الدينية ذات السمة المدنية، في مقابل إعلان المسلمين أو من يمثلهم من الإسلام السياسي عن دولتهم الإسلامية المتشددة، المتعارضة مع كل منظومات القيم الإنسانية والحقوقية.
هكذا جرى الأمر بتخطيط محكم في تصوري، ونحن كنا ولا نزال منساقين لكل تلك التبعات، والنتيجة مع استمرارنا في ذلك أن تنتهي القضية الفلسطينية شكلا ومضمونا، وأن يتم بناء الهيكل السليماني المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وليس ذلك مهما لي بقدر ما أرى أنه سيتم إنهاء هوية كاملة من الوجود مسلمة كانت أم مسيحية، وسيتبع ذلك إنهاء بقية أخواتها من الهويات العربية مسلمة كانت أم مسيحية، سنية أم شيعية، وسيكون أبناؤنا في توالي هذا القرن مُسخا ليس لهم طعم أو لون أو رائحة، وتلك هي الكارثة التي أدعوا أن ننظر إليها بعين متأملة، لنتمكن من تدارك الأمر، والبحث عن المسار الآمن والصحيح لتسلكه أجيالنا القادمة بكل ثبات وحكمة.
فهل إلى ذلك سبيل؟
سؤال أضعه بين يدي كل السياسيين ومعهم كل المثقفين والعلماء الواعين؟
د. زيد بن علي الفضيل
فعلا لقد آلمني الحدث والخبر !!
وإعلامنا غافلا مابين سوق عكاظ و أزمة قطر !!
نسأل الله السلامة بدأت أشعر أن قضية بيت المقدس لم تعد قضيتنا بل قضية الشعب الفلسطيني وحدة !! في الأخبار غزة تنتفض !! وفي السناب شات غزة لايف شباشبها غارقون في المراقص والحفلات !! لم أعد أعرف من علينا أن نصدق !!