سوق المدينة من الأسواق القديمة جدًا بالمدينة المنورة وكان يتصل أعلاه بباب السلام في مسجد سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآخره يتصل بباب السور المسمى بالباب المصري فسوق الحبابة فالمصلي مسجد الغمامة. وكان يقع على غرب الحرم النبوي الشريف، وأما سكانه وبيوته فهو أمر يحتاج إلى تقصي وتحقيق وبحث مع أولي المعرفة من سكان هذه الأحياء، وهذه البيوت التي كانت تقع على ضفتي السوق يمينًا وشمالًا. وكان هذا السوق يعتبر من الأسواق المدنية القديمة والتاريخية الأثرية التي تغص بالمشاة والمتسوقين لاصطفاف الحوانيت والدكاكين علي ضفتيه بدءًا من الحرم وحتى نهاية باب المصري، ويتاجر أصحابها بالأقمشة والذهب والعطارة وخلافها وإن كان الغالب عليها تجارة الأقمشة، وكان عرض السوق لا يتجاوز في غالب أجزائه عن المترين والمترين والنصف وربما يضيق في بعض أجزائه، ويبلغ طول السوق نحو ثلاثمائة متر أو يزيد ولكنه يحتوي على مئات الحوانيت على طرفيه، ولا يتجاوز سعة الدكاكين التي فيه على اثنا عشر مترًا مربعًا إن لم تخني الذاكرة، لأن غالب عرض المحلات كان لا يتجاوز عن المترين وعمقه عن الثلاثة أمتار فيما أذكر. وكان أصحاب هذه المحلات يعيشون وكأنهم أهل بيت واحد أو أصحاب دار واحدة يجمعهم الحب والجوار والدعابة والإيثار، والمودة والأخلاق، وكان أحدهم إذا باع بيعًا في أول النهار فجاء زبون آخر ليشتري منه بعض الأغراض أشار به إلى جاره، وقال: خذ من جاري لأنه لم يستفتح بعد، وهكذا كانوا إخوة في الدين، وإخوة في الإيثار، وإخوة في حسن الجوار. يتلون كتاب الله إن رأوا فراغًا ويتبادلون الدعابة والمزاح البريء فيما بينهم إن أحسوا بالملل. ويسرعون إلى الصلاة في مسجد سيد الورى -صلي الله عليه وسلم- إن حان وقت الصلاة، سماتهم التواضع، وأخلاقهم السماحة، وتعابيرهم البشاشة، وعليهم أنوار الجوار للسيد الجار، رسول الله المختار -صلى الله عليه وسلم-، تعلوهم السكينة، وتغشاهم المودة، يسودهم الهدوء، عليهم الرهبة والرغبة، راضين بما كتب الله لهم، غير ساخطين بما لم ينالوا، ليس بينهم نفاق ولا شقاق، ولا حسد ولا سوء أدب، على أنني لا أزكيهم، وقد يوجد من بينهم من يخرج عن الإطار، ويؤذي الجوار، وهذه طبيعة البشر، ولكن الحديث عن الجو العام لأهل هذا السوق.
مدخل السوق من جهة الحرم
وهنا أسوق أسماء لعدد من أهل هذه الحوانيت إن ساعدتني الذاكرة وأعانني أهل الذكر، وأكثرهم ممن سأذكرهم كان لوالدي وسيدي الشريف السيد محمد عطار -رحمة الله عليه- علاقات وصداقات مباشرة معهم، فمنهم بدءًا من باب السلام وأنت متوجه للباب المصري، فعن الشمال محلات الغسال لبيع الذهب، ثم دكان أو مبسط العم علي الأنصاري صديق الوالد على مدخل سقيفة الرصاص، وعلى اليمين دكان العم أسعد نور صديق الوالد، ثم على اليمين دكان العم عبد المقتدر طاهر الطراز صديق الوالد، ثم على اليسار دكان العم السيد عمر البيتي الطراز، ثم على اليمين دكان الشيخ عبد القادر عمودي للساعات، ثم على اليسار دكان الشيخ سعدي عيطة القماش، ثم على اليمين دكان الحاج دولت نياز القماش صديق الوالد، وإلى جانبه دكان الأستاذ عبد الجليل طاهر القماش صديق الوالد، ثم على اليسار دكان الصباغ للذهب وإلى جانبه محل العم الشيخ عبد السلام عسيلان للعطور، ثم إلى جانبه أظن محلًا للشيخ حسن خاشقجي إن لم تخني الذاكرة، ثم على اليمين دكان محمد البنجابي الطراز، وإلى جانبه الشيخ الظهير الاهي الطراز، ثم إلى على الشمال محمد الدنديني الطراز، وإلى جواره الحاج محمد أمين تركستاني الطراز، وهما صديقي الوالد ثم على اليسار الشيخ حسين عوض الطراز والعقال، وكان يتعاطي لف العقال الذهبي المربع، وهو صديق الوالد ثم على اليسار محل ابن عجلان، ثم إلى الإمام على اليسار دكان الشيخ عثمان الشامي المقرئ صديق الوالد للوازم لخياطة، ثم محلات اللاذقاني للأقمشة، ومنهم العم حمزة اللاذقاني صديق الوالد، ثم محل سعد صبر الطراز والقماش فيما أذكر ثم على اليسار محل الحاج سعيد البخاري القماش، ثم على اليمين دكان العم السيد حسين طرابيشي القماش ثم علي الشمال دكان محمد علي الحركان صديق الوالد، ثم إلى جانبه دكان العم أمين خشيم للعطارة، ثم على اليمين دكان أخيه العم مصطفى خشيم للعطارة صديق الوالد، ثم دكاكين الشروق حتى تخرج من الباب المصري، وهذا بعض ما بذاكرتي من أهل هذا السوق وقد تشتت شملهم وتفرق جمعهم بعد الحريق المشؤوم الذي نشب في كامل هذا السوق عام 1400 تقريبًا، والذي تسبب في خسارتهم بخسائر جمة عوضهم الله من خير الدنيا والآخرة.. نسأل الله العافية لنا وللباقيين منهم، والمغفرة للميتين منهم، وهذا شيء يسير من تاريخ هذا السوق وأهله.
د.السيد ضياء محمد عطار
عضو رابطة الأدب الإسلامى العالمية
الزمن الجميل وبساطة الحياه والتوصل المميزبين الناس
السلام عليكم ورحمة الله
نسأل الله ان يأجركم على جهودكم المثمرة بكل مايتعلق بتاريخ المدينة المنورة المشرف
وأسأل الله لكم التوفيق
اذا بالامكان اعلامنا اين نجد مؤلفاتكم للاطلاع عليها او شرائها مع الشكر .