منذ فتحت عيني على التداعيات السياسية التي تحيط ببلادنا، وعلى المسار الذي تختطه السياسة السعودية داخل تلك التداعيات، كانت تتخلق أمامي صورة السياسة السعودية التي تُغَلِّب الحكمة، وتفترض حسن النوايا، وتتأدب في الرد، وتتحقق قبل القرار، وتتجنب الخصومة، وتتنزه عن الفجور فيها إن حدثت، وبات وصفها بالصدق يدخل تحت باب التوصيف العلمي أكثر من كونه شهادة عاطفية.
كنت أسمع في مجالس أبي أحاديث كثيرة، عن العلاقات السعودية الروسية وعن حرب 1948 وعن حلف بغداد وعن العدوان الثلاثي وعن ثورة اليمن، ثم كبرت وعدت إلى استطلاع تلك الأحداث في كتب مختلفة الأهواء وعبر صحف متباينة الميول، وفي كل مرة أرى الموقف السعودي يشير إلى قيادة محترمة.
عشت أحداث يونيو 1967 وحرب الاستنزاف وأحداث أيلول الأسود وحرب 1973 وأحداثا غيرها، وشهدت معظم الانقلابات العربية الناجحة والفاشلة، والاغتيالات السياسية، وفي كل مرة ترى المزايدين وقد علت أصواتهم، وترى السياسة السعودية وقد آثرت الطريق الذي يحمي مصالح الشعوب ويصون دماءهم.
وقل مثل ذلك في حرب الخليج الأولى والثانية وفي الربيع الكاذب، وما تطلبه التنظيم له من قيام عصابات وميليشيات وتنظيمات إرهابية، وما نتج عنه من مظالم، ومن تكتلات، ومن مزايدات، ومن سفك دماء بريئة تلطخت بها الأيدي الآثمة وبقيت السياسة السعودية خارج دوائر الريبة والشك، نظيفة نزيهة واضحة الغايات والوسائل.