د. خالد محمد باطرفي

نظام الإقامة الجديد .. المراجعة بعد التطبيق!

بين الحين والحين تصدر أنظمة بدون تبرير وتفسير لها، ويصعب علينا كمعلقين وكتاب تعليلها وشرحها للجمهور. واحد منها نظام الإقامة الجديد، ورفع قيمة الرسوم على المقيمين وأسرهم بشكل تصاعدي حتى العام ٢٠٢٠. وواكب ذلك زيادة الرسوم على الشركات والكفلاء تصاعديا أيضا. هذا كله يأتي في الوقت الذي تبدأ فيه حملة وطن بلا مخالف.

النتيجة الطبيعية لهذه الزيادات وهذا التزامن أن نسبة عالية من المقيمين قرروا إما مغادرة البلاد، بخروج نهائي، أو إخراج أسرهم والبقاء عزابا. كما اضطرت الشركات التي تعاني أصلا من انخفاض السيولة والقوة الشرائية والمشاريع الجديدة وغيرها من الضغوطات الاقتصادية إلى تخفيض العمالة بشكل عام والوافدة بشكل خاص.

ودفاعا عن هذه الأنظمة هناك من يشير إلى تقديرات بتحصيل عشرات البلايين سنويا من الرسوم الجديدة، وتخفيف الضغط على البنية التحتية كالكهرباء والمياه والطرق، وخفض استهلاك المنتجات المدعومة، وإتاحة فرص عمل للمواطنين، والقضاء على التستر.

وفي المقابل يأتي الرد بأن الرسوم لا يمكن تحصيلها إذا اختار الوافدون إخراج عائلاتهم، وفقدنا فوقها رسوم إقاماتهم وخروجهم وعودتهم، الخ. وأن الخدمات العامة والمواد الغذائية وغيرها من المنتجات والخدمات زادت وستزيد أسعارها مع تطبيق ضريبة القيمة المضافة العام المقبل. وفيما يعوض المواطن من خلال حساب المواطن عن هذه الزيادات فإن المقيم سيتحمل الزيادة كاملة. علما بأن المقيم لا يستفيد من الخدمات الصحية والتعليمية المجانية.

وإتاحة فرص العمل للمواطنين تتحقق بالأنظمة الحالية كنطاقات، وسعودة التخصصات، وفتح مجالات العمل والاستثمار المحلي والأجنبي، وليس بخروج الأسر أو العمالة في الوظائف التي لايرغبها المواطن. أما بالنسبة للتستر، فإن نظام الإقامة الدائمة ”القرين كارد“ المرتقب للمستثمرين وكبار الموظفين مع فرض ضرائب على أنشطتهم التجارية سيقضي على الظاهرة ويحقق عشرات المليارات لخزينة الدولة.

ولاننسى هنا أننا نسعى أيضا لتخفيض التحويلات المالية للوافدين وإنعاش الأسواق العقارية والتجارية والترفيهية، فكيف سيتحقق ذلك إذا خرجت الأسر وفرغت البيوت والمدارس والأسواق؟ وإذا أضفنا محدودية فرص الاستثمار والتجارة والتملك للمقيم فلن يجد بدا من تحويل معظم دخله إلى بلده. كما أن وجود أسرة المقيم معه توفر له الاستقرار والأمان النفسي وتمنحه حافزا للعطاء وتحميه من التيارات الضالة والمسارات المحرمة.

ما سبق ناقشه كله أو بعضه اقتصاديون ومراقبون وكتاب، ولكني أضيف هنا جانبا هاما هو البعد الإنساني والإجتماعي. فبعض الأسر الوافدة أقامت بيننا عشرات السنين، شاركونا فيها حياتنا حلوها ومرها، تعلموا في مدارسنا وعملوا في مؤسساتنا وساهموا معنا في تنمية بلادنا، وتعلقوا بها حبا وإخلاصا ووفاء. واليوم يضطر كثير منهم إلى المغادرة وبشكل مفاجئ إلى بلاد لم يعيشوا فيها، حتى ولو انتموا اليها، وبعضهم، كالبورميين واليمنيين والسوريين والأفغان، لم تعد لهم بلادا آمنة ليرجعوا إليها. لنتخيل المرارة التي يشعرون بها وكيف ستطغى على الذكريات الطيبة والعلاقات الإنسانية والمشاعر الجميلة تجاهنا وتجاه بلاد الحرمين، مملكة الإنسانية، ملجأ كل مظلوم.

وفي المقابل تشهد مواقع التواصل الإجتماعي على تنامي الروح المعادية لضيوفنا (الذين أسماهم البعض أجانبا، حتى ولو كانوا عربا ومسلمين!!)، بالتحريض عليهم واتهامهم بسرقة خيراتنا ووظائفنا، وتهديد أمننا وأستقرارنا، وإفساد ثقافتنا وأخلاقنا. ولثقتي في طبيعة مجتمعنا العربي المسلم المضياف، أتوقع أن وراء هذه الحملات الخبيثة أعداء الوطن، الساعون إلى إثارة الفرقة والعداوة والكراهية بيننا وبين أخوتنا، وتقديم صورة مسيئة عنا، ثم استغلالها واستغلال الحانقين ضدنا. ويتجلى هذا في ظاهرة ترحيب الحوثيين بالعائدين اليمنيين وتشجيعهم على الانضمام لصفوفهم.

أتمنى أن تتم مراجعة الأنظمة وتحديثها وتطويرها على ضوء الملاحظات والمستجدات، والتشاور بشأنها مع مجلس الشورى ورجال الاقتصاد والأعمال وأهل الاختصاص كل في مجاله، وبروح العمل الجماعي والشفافية التي تعودنا عليها منذ إطلاق الرؤية السعودية ٢٠٣٠. فكل اجتهاد لخدمة المصلحة العليا للوطن والمواطنين مأجور ومشكور، سواء بسن الأنظمة أو بتعديلها. وكلنا على هذا الطريق سائل ومسئول، يد واحدة وقلب واحد، وأسرة عربية مسلمة سعودية واحدة.

Related Articles

3 Comments

  1. أتفق معك في بعض من ما أسلفت و أختلف معك في الرأي في نقاط أخرى !!
    أنا مقيم في دبي وفعلا لم يجدون يوما وجود المقيمين بكثرة مشكلة بل دخل للبلد ورفاهية للمواطن !! دولتنا ستأخذ بالإعتبار مقيمي الدول المنكوبة حاليا !!

    وفعلا هناك فئتين إو أكثر من المقيمين أستفحلت وصارت كالذي يشرب حليب البقر ولا يريد إطعامها بل غيرت ملامح مناطق سكنية بثقافتهم خصوصا بجدة !!
    ستؤتي قرارت الدولة أؤكلها في بداية عام ٢٠٢٠ بحول الله فعلى المواطن والمقيم تحمل ودفع ضريبة التطور و اللحاق بركب الدول المجاورة رغدا و تقدما فكل تصحيح له هامش خسارة أسأل الله يعيننا عليه ويصبرنا ويثبتنا .

  2. شكرا لهذه الروح الانسانية العالية للكاتب تجاه المقيمين و الرسول ﷺ يقول إنما ترزقون و تنصرون بضعفائكم ولم يقل بأثريائكم و طرد الضيوف والمستضعفين ليس من شيم الكرام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button