المقالات

مِنْطَاد المشاهير

 

قابلت العديد من الأشخاص سواء في المجال العملي أو العائلي أو حتى في المجالس العامة فشدني كثيراً محور حديثهم .. أهو عن احوال العالم ومايدور فيه من احداث ومجريات هامة .. أم عن أسس التربية الحديثة والسعي لإخراج جيلاً واعياً مثقفاً مكتفياً عاطفياً واجتماعياً .. أم عن الاساليب الجيدة لتطوير الذات وحبها والعيش لأجلها .. أم عن الحياة وماتزخر به من مواقف وعلاقات ورحلات وغيرها ..
ماشدني هو ما آل اليه حال معظمنا للأسف .. تأملتهم في تلك المجالس، كان جلّ اهتمامهم ومحور حديثهم ينصب على مشاهير مواقع التواصل الإجتماعي (السوشيال ميديا) من نساء أو رجال وتضييع اوقاتهم في ملاحقة اخبارهم ويومياتهم بكل اعجاب وانبهار؛ ماذا قالوا! وأي المطاعم احتوتهم ! وأين سافروا ! مرددين في ختام مجالسهم بكل احباط وأسى ” العوض بالجنّة ” على الرغم من كل النِعم والخير الكبير الذي يتنعّمون به إلا انهم استصغروها ولم يصلوا كما يعتقدون لمستوى معيشة المشاهير الخيالية المليئة بالرفاهية والثراء المصطنع الذي صنعه لهم مجتمعهم الخاوي !
بالإضافة إلى التسابق اللا واعي للأسواق لإقتناء منتجات كثيرة اعلنوا عنها اولئك المشاهير كمصدر رزق لهم دون أن يكلفوا على انفسهم في بعض الأحيان فتح ذلك المنتج وتجربته !!؟
هذا عدا التجمعات “الهمجية ” في الأسواق وغيرها من الأماكن العامة لنيل شرف رؤية اولئك المشاهير والتقاط الصور التذكارية معهم ..
لنعلم بأننا نحن من ننفخ المنطاد الهوائي لأولئك المشاهير حتى يرتفعوا ويحلّقوا عالياً دون أن يلّوحوا لنا بالوداع … متى نستيقظ وننفض عنّا غبار غفلتنا ونعي أننا نحن من نصنعهم ونحن من يرفعهم، وهم من داخلهم فارغون لا يملكون شيئاً ليقدموه لنا، كالبالون الممتليء بالهواء ونحن من نقوم بقذفه عالياً حتى يرتفع في السماء ..
لا اُعمم في مقالي هذا على جميع ابناء المجتمع العربي .. فهناك الكثير من الواعين المدركين لأهمية استثمار الوقت فيما يعود عليهم بالنفع والعلو والرفعة،
ولكن لا ننكر مدى انتشار الهوس بالمشاهير ومتابعتهم وملاحقة اخبارهم وتفاصيل حياتهم في مجتمعنا وذلك من قِبَل الأباء والأمهات قَبْل المراهقين والأطفال!
وبفضل من الله وتوفيقه أن يسر لنا فرصة الحصول على المعلومات التي نحتاجها في حياتنا وزيادة مخزوننا الثقافي والإجتماعي من مصادر شتى وسهلة وفي متناول ايدينا، فمواقع التواصل الإجتماعي تزخر بعدد هائل من المثقفين والأطباء والمتخصصين والإستشاريين الذين سيعطونا اكثر مما يأخذون منّا.. فالساحة مليئة بالجيد والرديء وبالغث والسمين ونحن من نحدد اختياراتنا، فقط علينا اعادة ترتيب اولوياتنا وطريقة تفكيرنا وتحديد اهدافنا واحتياجاتنا ونقطف من حدائق تلك المواقع كل ماهو فواح ومعطر بالفائدة لنا ولأسرتنا ولمجتمعنا وننبذ كل ماهو تافه وسخيف … ونكتفي نفخاً في تلك المناطيد الفارغة .

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button