.
بقراءة الموروث الشعبي في منطقة الباحة يتجلى لنا مجموعة من الحقائق، في مقدمتها طلاقة اللسان وفصاحة الكلمة والمعنى، وابتعاده عن الهجين من اللغة. ويتبين أن شاعر الشقر بتعدد ألوانه استطاع أن يدون مجريات الحياة ووقائع العصر بأسلوب وصور بلاغية لا تقل تأثيراً عن الإعلام عدا انه شعرا يستهوي المتلقي ويجعله يتفاعل مع تزامن الاحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية ..
ولشاعر الشقر ( الجناس ) بمنطقة الباحة العملاق صالح بن محمد اللخمي من عشائر أبأ الحكم بن مروان الكنانية الأزدية التي تتوسط مرتفعات سراة النمر الحجازية بمحافظة المندق مابين دوس وبني حسن والتي تكتنف الوانا من الموروث في بيئة الشقر الموازي “للزهيريات” و”الابو أذية” الشهير في العراق وشرق الجزيرة العربية .
وقد عاش الشاعر اللخمي في مسقط راسه في قرية دار المسيد ونشأ شاعرا بارزا منذ الرابعة عشر من عمره حتى أصبح لسانا ناطقا لقبيلته وعرف بشاعر القبيلة منذ زمن مبكر ..
وفي ظل الزخم الإعلامي والأحداث المطردة فإن الشاعر لم يخرج عن جاذبيته الشعرية، حيث يعيش العالم عموما هاجس الإرهاب والتجاوزات القطرية الداعمة للمنظمات والجماعات الارهابية وإعلانها العزلة عن دول مجلس التعاون والارتماء الى الاحضان الإيرانية المعادية للسلام وقطر كونها دولة خليجية مرتبطة بالنسيج الاجتماعي الخليجي فإن عزلتها تركت اثرا وجرحا عميقا لدى الشاعر الذي يتأسى لما احدثته القيادة القطرية المارقة المتجاوزة لكل الخطوط الحمراء وكون الشعر اداة ووسيلة من وسائل التعبير فقد اسهم شاعر القبيلة صالح اللخمي بالعديد من القصائد المعبرة ومنها قوله :
مسرع الدنيا تقلّب وتتغير بغير
والحوادث كل يوم يجي منها جديد ..
بين يوم وليلة اتغيرت دولة قطر ..
عوقبت وانشلّت اسواقها وغِلي ثمنها ..
والعقار انهار واسواق الأسهم ميته …
وفي تلك الأبيات الرائعة يجسد الشاعر تقلّب الأحداث وتسارع المتغيرات وإنقلاب الموازين فهو يصور النتائج الاقتصادية وكساد سوق الأسهم وهبوط العملة القطرية نتيجة حمق القيادة غير الرشيدة التي تقود السفينة القطرية الى حافة الهاوية نحو الانهيار والتلاشي .
ومن الأحداث التي تتداولها وسائل الإعلام ويتم التعاطي معها شعرا في مختلف الألوان الشعبية قوله عن الأزمة الفلسطينية :
نصف قرن مضى والعزف باقي على اوتار القضية
ناس تسعى لتسويق المواقف وناس يشترون
مشكلة في فلسطين الحبيبة وفي قدس العروبة
قبل ميجر وبيل اكلنتون وقبل ما ياجي شراك
كلهم ساعدوا الظالم وربّك يجازي من ظلم
دعمهم لليهود بكل قوة مناقض للعداله
نعتبرها جريمة قاصمة للظهور بحدها
كما أن لشاعرنا حضورا وتميزا في العديد من المجالات ومنها ما يتعلق بالنسق الاجتماعي من خلال صناعة الحكمة والنصح والاصلاح الاجتماعي مثل تجسيده للمواقف المحرجة التي تنتهي بالفرقة في رائعة له عن الكفالة :
الكفالة بدايتها شهامة وتاليها ندم
كم صديق تشره من صديقه على شأن الكفالة
مشكلة حسب معلوماتنا ما سلم منها ضمين
ود الانسان يتجمل وينفع رفيقه وابن عمه
غير يخشى ورى ذيك الجمايل يقع في مشكلة
كيف يتجمل اللي راتبه ما يكفي مصروفاته
بعد مصروف بيته وش يسدد به أصحاب الديون
وإن تراكم عليه القصد وتفجر أصحاب المعارض
يسلم المشتري والغرم يصبح على رأس الكفيل
والله إن الكفالة فرقت وافتنت بين القرابة
شين الله زمان الكمبيالة وشين دربها
وهو هنا يجسد العاطفة الاجتماعة التي تنطلق من مبدأ النخوة والشهامة وتنتهي الى مطالبات وبغضاء وفرقة بسبب كفالة الغرم والاداء ..
و للشاعر اللخمي العديد من الجدليات والمفارقات التي تختلج في داخله فهو يعكس الصراع النفسي ليخرج صورا اجتماعية بميزان “الديالكتيك ” وبأسلوب سيميائي ثنائي الأضداد لقياس الشيء وضده بمعيار الناقد الحاذق بين قصيدة واخرى ففي موقفه مع صديق المصلحة الذي يحرص على الصداقة حتى ينال مصلحته ثم يقتل الصداقة بإقحام صديقه في دوامة المماطلة والمطالبات المالية التي تبتر الصداقة فهو في اخرى يدعو الى النخوة والصداقة المثالية والوقوف الى جانب الصديق في الازمات في قصيدة اخرى يؤكد ندرة الصديق الذي لا يحمل معنى الصداقة الحقيقية في إحدى علائقه الثمينة بعنوان (الصديق) :
الخساير كثيرة وأكبر أنواعها فقد الصديق
الصديق الذي تدعيه وتلقاه في يسر وشده
ان نصيتاه تجمّل وان توزيّت في ظله وزيت
والحقيقه ان من ذي الصفه كودٌ تجد في الميّه واحد
حتى بعض الأقارب ينكر القرب لا جار الزمان
وأكثر الناس وقت العافيه ماعد أحلى من هروجه
وان جت الزحمه كنّك من المضيلف وكنّه من سُبيع
بالله يكل عاقل ساير الناس واعرف من تصاحب
ثم خذها نصيحه لا تصدّق سواليف الضحوك
وادرس أحوال من ودّه يسايرك في خطوه مديّه
ان لقيتاه وُنعم يرفع الراس والا جنّبه !!
ومن روائعه النقدية التي جعلت منه مصدرا إعلاميا للاحداث الداخلية مثل ما تنتهي إليه البطالة من مشاكل اجتماعية واقتصادية وسلوكية على الفرد والمجتمع فهو طرح قضيته الشخصية للرأي العام في قصيدة معبرة وجعل منها “أنموذجا” حيا يمثل صورة معبرة لكل شاب وشعور كل اب يتطلع إلى مستقبل أبناءه حتى ظهر وكانه الطبيب المختص الذي رأى انه من الأولى له ان يقوم يفحص نفسه ويحدد المرض ويحدد الدواء في قوله :
أبو عبدالله قال الهم خيـــم على قلبــــــي وزاد
لان عندي ولد له خمسة اعوام ما حصل وظيفة
بعد ما اصبح رهين البيت ما عاد بي الا يضـــيع
ابتهجنا وسوينا احتـــفالات يوم انهى الدراســة
واعتبرناه حقـــــق منيــــته بالوظيفة بعد عام
وآهل الجامعه قـــــالوا ثمانين مجموع ضعيف
يارجاجيل دلوني على من يقدم لي نصيحه
والا يوعز على رجال ينفع بشي والا بلاش
ما ابغي الا قبوله عسكري طالما عنده شهادة
والا قولوا تجمل سجله يامــــــــدير الجامعه
والحقيقة ان الشاعر الكبير صالح بن محمد اللخمي من الشعراء المؤثرين في المجتمع وله الكثير من الإسهامات الشعرية في بث روح الانتماء للوطن وقد اطلق عليه الشاعر الكبير عبدالله البيضاني لقب (عميد شعراء العرضة) ووصفه بهذه القصيدة المعبرة المختصرة بقوله:
اهلين ياشاعر كساه الله من مسك الختام
ياللخمي اللي يعرفونك من قريب ومن بعيد
وان حد نشدني عنك مالغياب والا الحاضرين
لاقول كما جماح ذاك اللي مقاريعه طوال
والا كما بن ثامرة والا يكون اقوى منه
جميل جدا وشاعر كبير وهو حقاً عميد شعراء العرضة الجنوبية
والشاعر اللخمي يتسم بالذكاء وسرعة البديهة والاتزان والثبات
نشكركم على هذا المقال الرائع
يستاهل ابو عبدالله شاعر كبير وتعلمنا منه الكثير شعر وخلق رفيع وادب