كثيراً ما ارتبط حضور حسين عبدالرضا في ذاكرتنا بالابتسامة فقد كان رسولها الأجمل عمل من أجل إسعاد الآخرين وكانت رسالته في الحياة انتزاع الضحكات من جميع الذي يعيشيون في تلك الدائرة التي يقف بشموخ في منتصفها،
علاقة (بو عدنان ) بالابتسامة علاقة عضوية تكونت حين أغلق عالمه الابداعي عليها ومنذ البدايات الأولى لتفجر طاقاته الابداعية وهو يلون وجوه المتابعين بالبهجة ويرسم على شفاهنا ابتسامات لاتنتهي وراح يستعيد زمنها الجميل وشبابها غير مبال براهننا الذي تجثم فوق صدره الكثير من المآسي والالام والاحباطات .
واليوم أضحت أعماله التلفزيونية والمسرحية بمثابة جسر لماض يثير في النفوس حنيناً جارفاً لمشاهدكانت إطلالته فيها جالبة للفرح،
حسين عبدالرضا كان متدفقاً كنهر عذب وكان ظهوره في عمل ما يعني أن هناك مقولات تستحق الاستماع ومواقف تشرح الحياة بكل أبعادها ، وأن هناك شخصية كوميدية قادرة على امتاعنا حين أمتلك القدرة على التجدد باستمرار
أمتلك هذا الفنان الكثير من المقومات التي جعلته قامة فنية ورسخت حضوره في الدراما والذاكرة وعالم الفن والانسانية
فقد حباه الله طولاً فارعاً وكاريزما مؤثرة وقدرات لافتة على الاداء و حاسة فنية دقيقة ومدهشة مكنّته من اختيار الشخصيات والادوار وحتى تفاصيل المشاهد ويندر أن تجد عملاً شارك فيه دون ملاحظة بصماته عليها حتى اصبح له خلطته الفنية بامتياز
لازلنا ونحن تحت وطأة وجع غيابه عن الساحة بهذا الرحيل نستحضر شخصية دواسوابو حظين وحسينوه. وقائمة طويلة من الشخصيات والمشاهد والكاركترات التي صنعها ليملأ ذاكرتنا بما يستحق
ولازلنا نتذكر اعمالاً خالدة شارك فيها كانت متجاوزة في حضورها ومتابعتها فـ (درب الزلق ) يتجاوز كونه مسلسلاً درامياً إلى (كتاب حياة ) والحيالة وسوق المقاصيص على سبيل المثال كانتا أبعد من حلقات ومسلسل درامي
إلى (دروس في فنون الحياة )
الملاحظ أن هذه الاعمال وغيرها وإن كانت اعمالاً موجهة للكبار إلا أنها استحوذت على اهتمام الأطفال لما حوته في طياتها من كوميديا عالية واقناع فني كبير وما قدم فيها من دراما قادرة على الجذب
تميز حسين عبدالرضا ببساطة التعبير وقوته وقدرته على ملامسة وجدان المشاهد مستعيناً بقدراته في الغناء والتجسيد وروحه المرحة وابتسامة محياه العريضة واجادته كل الادوار واللحظات الانسانية بكامل حمولاتها الفنية
مازالت ذاكرتنا تستحضر “يا الله خذني وروح… يا الله… يا الله خذني وروح يم نجمة وقمر”… “هذا مو شهر العسل شهر البصل… يا الله يا أمون شيلي التيلفون”…
هذه الكلمات التي تعتمد المناقشة البريئة لمشاكل الزوجين وصراعهما مع الأهل، والتي أسكنته الذاكرة الخليجيةمازال الجمهور يحفظها ويستمتع بمتابعتها حتى اطفالنا اليوم عبر شاشة التلفزيون رغم انها صُنعت في أزمنة مضت ولم تُعدّ لجيل اليوم ومع هذا نجدها محل اهتمام ومتابعة الأجيال المتعاقبة
وحتى ولو عُرضت هي وغيرها مراراً وتكراراً فأنها لاتُملّ ونشاهدها وكأنها المرة الأولى التي نراها فيها وبذات الدهشة الأولى وهنا تتجسد عبقرية الفن التي يمثلها الراحل الكبير عبدالحسين عبدالرضا .
ربما لم يكن صوت الفنان عبدالحسين عبدالرضا جميلاً للغناء إلى درجة كبيرة
ولكنه كان مؤثراً بلا شك، لأنه ببساطة كان يغني ويجسد بالغنوة الجميلة أشياء تمسّ واقعنا ونشعر بحلاوتها إذا استمعنا إليها.
أبو عدنان دون جدال هو حبيب الاجيال السابقة ومؤكد انه ايقونة بهجة وحب في نظرهم وكان فرائحيا بلا حد حين يحضر عبر الشاشة أو فوق خشبة المسرح حتى تحول مدرسة فنية عملاقة لكن من يرصد اللحظة سيجد أن وفاته شكلت لحظة صادمة لشريحة الاطفال وجيل اليوم حين سماعهم نبأ رحيله المر وهذا يحدث رغم أنه لا يوجه مسلسلاته للاطفال والجيل الشاب لم يترب على حضوره البهي لكنه استأثر بهم. وهذا أمر غريب فعلاً ولكنه ليس غريبا على عملاق مثل (حسين) الذي كنا نضحك معه في كل أعماله والذي دوماً كان الإضافةً للنص، في حين لم تضف له النصوص شيئا أمام عبقرية الأداء
وحتى عندما أطلت الشيخوخة بأنيابها عليه فأنه نجح في تقليمها بتلك العبقرية التي يكتنزها وظل قريباً من الذاكرة ونجح في ترجمة نظرته للفن إلى واقع حيث في قاموسه (يجب أن يبقى مرآة للناس،) وقد استمر وفياً لفنه ومنهجه حتى رحيله
مازال صوته في آخر حضور فني له عبر
سيلفي (تنهيدة ألم تسكننا ) وهو يردد :
“يا ولد الحلال أنا ما بقى بالعمر كثر ما مضى إنت أبخص واحد يدري إني قزرت هالعمر كله تعب وشقى سحقت هالقلب سحق ما بقى منه شي”!
ليأتي الرحيل وبه تطوى صفحة عامرة من صفحات الفن الأصيل .
كتب / ناصر بن محمد العُمري