جلست في أحد مطارات واشنطن أنتظر صديقتي وداد القادمة من الدمام بعد قضائها إجازتها الأخيرة في الشرقية . إنتظرتها لمدة ساعة ثم إمتدت الساعة لثلاث ساعات إنتظار فبدأت أشعر بالهلع و وتراقصت في راسي الأفكار السوداء .أحسست داخل قلبي ان هناك أمرا مريبا وشكتت أنه لربما تم إرجاعها للمملكة لمخالفة أو قضية هي مظلومة فيها أو لربما هنالك تشابه أسماء وبدأت رحلة الصراع في مشاعري ما بين خوفي على مصير وداد أعز صديقاتي و أطيبهن قلبا وما بين خوفي من سؤال المسؤولين بالمطار عنها مما قد يورطني ربما بشبهات وتحقيقات أنا في غنى عنها و قد تضيع علي حلمي بالحصول على درجة الدكتوراة . فبقيت مكاني قابعة بصمت في الكوفي الذي اتفقت معها بالأمس أن ألقاها فيه حال وصولها للمطار و إنهائها معاملات دائرة الهجرة .جلست واجمة وانا ادعو لها داخل قلبي وكأنني خائفة أن يسمعني أحدهم مرت خمس ساعات إلا ربع ولم يبقى شي على توقيت أذان الفجر و المطار أصبح خالي موحش واقفلت الكفتيريا أبوابها . حملت كوب القهوة البارد وجلست على الارض قريبا من بوابات خروج المغادرين وعيوني معلقة عليها.في كل دقيقة تقريبا كنت أنظر إلى شاشة جوالي لارى ان كانت قد وصلتني رسالة منها أو مكالمة ربما فاتتني وما ان رفعت رأسي بأحد المرات الا ان لمحت وداد تجر عربة حقائبها نحوي وهي تلوح بيدها.حمدت ربي انها بخير وكان العناق مع كثير من الابتسامات والضحك فبالنسبة لي المهم الأن انها دخلت البلاد ولا يهم أي شي آخر قلت لها مازحة ” أخشى أن تكونين من المافيا يا بنت ” في تلك الليلة سهرنا في شقتي وتجاذبنا اطراف الحديث كنت أتجنب السؤال الى ان قالت لي قصتها … ” كنت في بيت اهلي عندما فتحت الفيسبوك من جوالي و وجدت رسالة من ابني المقيم مع والده يودعني فيها وبلغني أنه ذهب للجهاد في سوريا، فما كان مني الا ان لحقته لتركيا ومن هنالك حاولت الولوج الى سوريا لاسترد ابني ..” قصت لي ليلتها،سردت الكثير من التفاصيل مع ذرف الكثير من الدموع إلا أن كل التفاصيل انتهت بنهاية سعيدة وهي عودة ولدها معها إلى المملكة ورغم عودته وإنتهاء الأمور بندم ولدها إلا ان السلطات الأمريكية أحيانا تدقق ومطولا بإجراءات دخولها لأراضيها . من قبل أن اعرف تلك القصة عن وداد كنت أدرك أنها أمرأة جبارة و قوية ولا عجب في ذلك فالامهات في سبيل الأبناء يتحولن إلى كائنات ضارية و يضحين بكل شي حتى أرواحهن . صديقتي كانت أم مثالية ولكنها كانت مطلقة و ولدها الذي غرر به كان يعيش مع والده ،كان بعيد عن عينها بحكم الطلاق و السفر و الدراسة ولذلك فإنها لم تتمكن من مراقبته ، لم أورد هذه القصة إلا لتكون نداء لكل أم أو أب مبتعث أو حتى غير مبتعث وبالذات المنفصلين عن ازواجهم أن لا يهملوا التواصل مع أطفالهم بحجة العمل أو الدراسة وإنما يوفروا لهم الحضن الدافئ وان يكونو متواجدين في حياتهم قدر الاستطاعة، ربما قد تضطر للسفر والغياب لعمل أو تحقيق طموح لاضير في ذلك فالحياة تتطلب التضحيات و البعد عن الاطفال والاهل و لكن حاول أن تعوض هذا الغياب من خلال التواصل معهم ربما من خلال برامج المحادثة التي تمكنك من التواصل معهم صوتا وصورة . صور لهم جامعتك ،الحدائق التي تمر فيها والطرق وحتى طرقك والمكتبة التي تدرس فيها حتى يعرفو ويشعروا انك تكافح فيرتبطوا فيك أيما ارتباط فالاطفال في هذا الزمان اذكياء وعكس ما نتوقع فهم مدركون لكل ما يحدث حولهم من صراعات قائمة واستنتجت الدراسات أن الملام في عمليات تدعشن الأبناء أو حتى الاعتداء عليهم من قبل الغرباء هو إهمال الأهل وعدم احتوائهم لأبنائهم وإنما تركهم منعزلين اجتماعيا ونفسيا واقتصار التواصل الاجتماعي معهم على لحظات قليلة ربما دقائق في كل يوم وهنا ينبغي توعية الآباء والأمهات بضرورة تخصيص ساعة أو أكثر يوميا لكل طفل للحوار معه عن همومه، ويجب أيضا حضن الطفل وتقبيله يوميا وليس فقط في الاعياد او المناسبات حيث ثبت علميا أن حضن الطفل وتقبيله والمسح على جبهته يقوي شخصيته ويشبع حاجته للحنان ولا ينبغي التعذر بأن الطفل في عمر المراهقة لحرمه من حاجته للحنان . نصيحتي لكل ام ولكل والد تتلخص في كلمات لحماية أطفالهم من العابثين و المغررين بهم بالكلام المعسول والاكاذيب ” أحبوهم انتم قبل أن يحبهم غيركم”