هذا الكون الفسيح الذي يترامى حولنا من نجوم و مجرات.. مجموعات و نظم .. كواكب و اقمار .. خَلقُ القادر سبحانه.. حيث لاحدود تُرصَد و لا نهاية تُدرَك .. كون بداخله أكوان .. و إبداع بجعبته إبداع كنسيج شاسع لانهائي مطرز بجميع هذه الأجرام و الأجسام .. فراغات و مساحات حيث يتضاءل الإنسان و يتقزم كنقطة في غياهب محيط ..
مع التقدم العلمي ظهرت نتائج تدل على وجود أعمار افتراضية للنجوم مثلها مثل أي كائن آخر .. و بعض تلك النجوم يصاب بحالة من الانهيار تجعله يصبح ثقباّ في بنية السماء ..يتقلص النجم إلى أن يتحول إلى ثقب اسود غامض يمتص كشافط مريع جميع ما يقترب منه بقوة جاذبة لايفلت منها شيء حتى الضوء و يشكل نقطة معتمة في الكون تتوقف عند الدخول إليها كل الحسابات ..
و فسر العلماء معنى كلمة الثاقب في سورة الطارق بأنه النجم الذي يظهر بالليل او انه يثقب أي يحرق الشيطان .. اما علماء البحث في مجال الإعجاز العلمي في القرآن في عصرنا الحاضر حاولوا تفسير كلمة الثاقب بأنه الثقب الأسود الذي يتحول إليه النجم بعد انهياره خاصة و أن الآية التي تسبقها بدئت بـ”و ما أدراك ما الطارق ” و هي كلمة ذكرت في القرآن مقترنة بغيبيات عظيمة لا يدركها الناس مثل ” وما أدراك ما الحاقة” و ” و ما أدراك ما عليون” ..
لهذا خلصوا من تدبر ذلك إلى ربط معنى النجم الثاقب بالثقب الأسود الذي اكتشف العلماء طرفا في كينونته حديثا ..
سبحان الله ما أدقه من كتاب معجز .. و تعالى الله الخالق ياله من آية كونية مهيبة.. نجم يتهاوى في موضعه كتمرة تضمر فتتقلص حتى تسود أو بناء ينهار فيتحول لكومة من رماد..
انزويتً أفكر ملياً في ذلك الثقب الأسود او النجم الراحل .. و سرحتُ مسافرةً عبر الكون و مخلوقاته و لمعت في ذهني بارقة بأن ظاهرة الثقب الأسود ليست حكراً على النجوم .. بل هناك ثقوب سوداء تظهر على كوكب الأرض و بكل وضوح ..
فالمجتمع .. أيً مجتمع .. ماهو إلا شبيه بالفضاء الفسيح و النسيج الاجتماعي يتكون من عناصر عدة .. فالبشر و القيم و المدلولات و العقائد و الفكر و السلوكيات و المنتجات و المدخلات و المظاهر المادية .. كلها عناصر في نسيج المجتمع الذي يشكل بدوره قريناً لمجتمعات أخرى تشكل بمجملها منظومة الحياة على كوكب الأرض ..
فذلك المجتمع الذي يعمل أفراده على وأد قيمة او فضيلة خلقية تتحول تلك الفضيلة بعد انهيارها إلى ثقب اسود يبتلع نورها و يبتلع كل معنى جميل مقارب لها ..
و ذلك المجتمع الذي يحرض على انهيار الدين و زعزعة أركانه يعمل على إيجاد ثقب اسود يبتلع الناس فيتحولون إلى مخلوقات هائمة ميتة و إن كانت لاتزال حية ..
و تلك الدولة التي تترك الحكم بما أنزل الله و تتخذ منهجاً وضعياً إنما تحطم نجما باهرا هادياً و تخلق مكانه ثقبا مخيفاً يبتلع العدل و المساواة و الحق في تسيير أمور العباد ..
و تلك الأسرة التي تطفيء قنديل التدين لتضع مكانه خواءً لا يربي ولداً و لا ينتج جيلاً ..
. فتجد الوالدين يهتمان بتلقين اللغات و الاتيكيت لأبنائهما و لا يرف لهما جفن إن أهمل صلاته او ضيع أخلاقه ..
ثقب اسود خبيث ينتج عن انهيار خشية الله أو ضمير الإنسان وبصيرته الخلقية داخل النفس البشرية بعد أن كانت تلك الخشية و تلك البصيرة نجماً متقداً ينير ليل صاحبه فترشده إلى جادة الصواب تتقلص و تتكور و تتحول إلى ثقب أسود تتوقف عند مدخله كل الحسابات و المعاني فلا خطأ يدرك و لا ضمير يحاسب..
ثقب آخر ينشأ من سوء الظن بالله او من الحقد او الحسد او الشر فتجد الأمل وكذلك الخير تصغر مساحته مقابل رقعة الشر و السخط التي تتسع حتى تؤول إلى دوامة تسحب راحة باله و رضاه و ربما حياته ..
ثقب يعقبه ثقب في النفوس البشرية و المجتمعات البشرية و الأسر و الأعمال و الأمم حتى ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس..
لكن الفرق بين ثقب الفضاء الأسود و ثقوبنا السوداء على هذا الكوكب أن ثقب الفضاء يحدث بدون إرادة النجم و ثقوبنا تحدث بإرادتنا و اصرارنا كِبراً و ضلالا ..
فتمكنت الانحرافات النفسية و الأمراض الأسرية و الفساد المجتمعي و ألوان الظلم و النهب و الحروب و الويلات و الطغيان حيث لا نجم ينير الطريق ..
يخيل لي أن الإنسان وفي معيته شيطانه قد حول كوكب الأرض من كوكب بهيج متلأليء كما خلقه الله إلى ثقب اسود كئيب بفساده و طغيانه..
أفٍ لك أيها الإنسان.. أما آن لك أن تمل الانهيار .. و تكتفي من الظلمة و السواد و تعود لتضيء نجوما لا تتحول أبدا إلى..
ثقب اسود
كلام واقعي يادكتورة .. هل من معتبر؟