لو أن شعيرة رمي الجمار كانت طقسا بوذيا ، أو ممارسة وثنية ، أو بعضا من تقاليد شعب بدائي في ركن قصي من اﻷرض ، أو بقية ميراث ديانة مندثرة من ديانات أهل الشرق أو الغرب ، لو كانت كذلك ؛ لكان لها من الحفاوة والاهتمام عند اﻷدباء والمثقفين العرب شيئا يفوق الوصف ، ولكانت على الدوام رمزا وافر الحضور في نتاجهم ، ولتباروا في استدعائها وتوظيفها فيما يكتبون ، ولجعلوها قرينة الخلاص والتطهر والنصر ، ولقالوا عجبا في توظيف دلالات اﻷحجار السبعة والرمي وبقية تفاصيل تلك الشعيرة ! . ولربما شد بعضهم الرحال إليها يلتقط الصور إلى جوارها كدأبهم حين يتعلق اﻷمر بتمثال هنا أو نصب هناك ، فضلا عما يلقى إليهم من وحي الكتابة جوار تلك الرموز !
إلا أن مرجعية تلك الشعيرة ، وكونها ضمن شعائر ركن من أركان الإسلام تجعلها بمعزل عن ذلك كله لديهم ، على أعتبار أن أكثرهم بين مهزوم حين يتعلق اﻷمر بهويته ، أو مأزوم تجاه تلك الهوية !
وﻷجل ذلك وعلى الرغم من الرمزية العالية لهذه الشعيرة بالذات بين شعائر الحج ، وعمق الإيحاء الذي تجسده ، وكثافة الدلالات فيها ، وقابليتها العالية للتوظيف الإبداعي ؛ إلا أننا لا نكاد نعثر على شيء من ذلك في سائر المنجز الإبداعي العربي ، لا عن جهل بها لدى أدبائنا – وهم أهدى من القطا بمثل تلك الرموز والدلالات في ديانات اﻷرض كلها – ولكن ﻷن ” جمرة العقبة ” عندهم لا تماثل مألوف الرموز التي يلوكها نتاجهم الإبداعي المحتشد دوما ب ” عشتار ” و ” تموز ” وبقية الرموز ! . بل إن منهم من يغمز ويلمز ويسخر من تلك الشعائر – كما تطالعنا به صفحات وكتابات طيف منهم هذه اﻷيام – على اعتبار أن عمق الوعي والتحضر لديهم لا يتقبل فكرة الطواف حول حجر أو تقبيل حجر أو رمي حجر بحجر ، مع أن ذلك الوعي هو ذاته الذي يستحضر كل معاني الانفتاح والتسامح حين يتعلق اﻷمر بصنم هنا أو وثن هناك !
والمؤكد حتما أن هذه الشعائر لو قدر لها الذيوع بين أدباء العالم سوى المسلمين والعرب ، فستكون محل اهتمام واستدعاء وتوظيف وتأمل ضارب في العمق ، أو على اﻷقل لن تكون محل سخرية أو انتقاص لدى أصحاب الوعي الحقيقي منهم ، في سلوك مناقض ومغاير لواقع كثير من المثقفين واﻷدباء العرب الذين يراوح سلوكهم في مثل هذه الحال بين لوثات الكراهية وتأزمات الهزيمة ! .
أعجبنيعرض مزيد من التفاعلاتتعليق
0