..
في أي وطن في العالم يوجد تباينات، أثنيات متعددة، وعقائدية، واجتماعية، وعرقية، وغيرها؛ إلا أن تلك التباينات جميعها تحت سيادة واحدة وراية وطنية، وتعتبر تلك الانتماءات فرعية أمام الانتماء الوطني والذي يحوي الكل؛ ولهذا فإن هذا الرابط المشترك هو الوطن بحدوده السياسية ونظامه، وهو ما يجب أن يعزز لدى أبنائه، بغض النظر عن تلك الانتماءات الفرعية.
إن أعداء أي وطن من الخارج لا يمايزون بين تلك الانتماءات الفرعية؛ لذا بالدفاع عن الوطن والانتماء إليه دافع يشترك فيه الجميع إذا انتفت التبعية والولاء للعدو.
إن فقد الأمن والاستقرار في وطن ما لن يتأثر به جماعة معينة لها انتماء معين بل يتأثر به الجميع وهذا واقع مشاهد لا ينكره أحد لأن ذلك الاعتداء هو اعتداء متعد أثره على الجميع؛ ولهذا الرابط المشترك نجد أن أنظمة الدول ودساتيرها ما يشير إلى قيمة الانتماء للوطن، وما يعزز في مواطنيه قيمة الشعور بالمسؤولية، وسن أنظمة تمنع إثارة الفوضى وأسبابها فيه.
لكن الدول التي فضلت الانتماءات الفرعية ومارست إقصاء التباينات في أوطانها نجد دساتيرها وقوانينها يغلب عليها النزعة العنصرية والنزعة التي تتدخل في شؤون الآخرين، ومثال ذلك: إيران والتي تبنت تصدير الثورة للدول العربية ونتج عنها ما نتج، وتمكنت من صناعة ولاءات لها وأذرع في بعض البلدان العربية ومنها حزب الله في لبنان الذي يعلن الانتماء لإيران علانية منسلخا من وطنه الأم وهويته وقوميته العربية، والآن جماعة الحوثي في اليمن وكلا الفريقين يرفعان نفس الشعارات الإيرانية ونفس نمط السياسة والعداء.
لنا في تاريخنا الإسلامي العربي والإسلامي جوانب مشرقة كفيلة بأن تتعايش المجتمعات بغض النظر عن معتقداتها؛ فقيمة عدم الإكراه في المعتقد، و قيمة الحوار، وقيمة الشراكة في الأرض وعمارتها، وما علينا إلا قراءة التاريخ الإسلامي وخصوصا السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام نقف عند نموذج للتعايش مع مجتمع ورد فيه نص إلهي بنقضه العهود والمواثيق وهم اليهود ومع تلك الصفات القبيحة لهم إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع معهم معاهدة التعايش والشراكة في الوطن وخدمته.
وسيرة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم حافلة بما ينظم حياة الإنسان وكرامته والإيمان بحقوقه فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين أرسل جيش أسامة لفتح بلاد الشام أوصاه بما أوصى ونجد في تلك الوصايا احترام صاحب تلك الأرض المفتوحة.
و هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين فتح بيت المقدس وضع وثيقة، وهي التي تسمى الوثيقة العمرية وهي أشبه بنظام حكم ودستور يكفل الحقوق لأبناء تلك الدولة الإسلامية و مواطنيها.
كذلك حقوق المواطن رسمها عمر بن الخطاب بعدله حين فتحت مصر فلم يميز والي مصر الصحابي الجليل عمرو بن العاص وابنه على مواطن لم يكن مسلما بل أقام العدل بينهم و قال مقولته الشهيره : “متى استعبدتم الناس وولدتهم أمهاتهم أحرارا “،
و هذا الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقف أمام القضاء وهو الخليفة يقاضيه مواطن يهودي. وفي العصر الحديث الملك عبدالعزيز حين يقاضيه مواطن؛ و الآن خادم الحرمين الشريفين يتحدث أمام المواطنين حتى لو كان التظلم موجها له.
ونحن في المملكة العربية نجد أن نظام حكمنا لا يتطرق للطائفية، أو التدخل في شؤون أحد بل نجده يجرم العنصرية بصورها و أشكالها ومقاضاة كل من يثيرها.