هل حب رسولنا عليه الصلاة والسلام لمكة، وأنها أحب البلاد إليه وإلى الله يصح الاستدلال به على حب بقية الأوطان؟!
وجدت من يستدل بذلك!
ولكن في ظني حب مكة (شرفها الله) ابتداء ديني ورباني، أنبته الله في قلب كل مؤمن بهذا الدين، فتقديسها وحبها شرعي محض، وهذا قدر مشترك لكل مسلم، ويمكن أن تقول هو انتماء فطري منذ أن أذّن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام بالحج، فالرب سبحانه وتعالى تكفّل بإيصال ذاك النداء لكافة البشر وهم في الأصلاب، فالأفئدة متعلقة بها شرعا وقدرا كما نص القرآن.
فليس لمفهوم حب الأوطان المعاصر مكان هنا، فالمسلم الأفريقي والأوروبي وغيرهما، قد تجد حبه لمكة وتعظيمه لها لا يعدله شيء، بل حتى وطنه الذي ولد فيه، فلو خُيّر المرء بين طمس بلده الأصل ومكة لاختار بلده قطعا؛ لأن دينه وضميره يوجبان عليه ذلك، ولا يُتصور أن يختار المسلم غير ذلك، فبقاء ما يؤكد أصل الهوية والانتماء مقدم على غيره.
وربما يقال تجوزا: حب المرء لمولده ومحل ولادته ونشأته، له علاقة بحب الدول الحديثة ذات الحدود المعلومة، والولع بمراتع الصبا أمر عام عند البشر، فلا يختص به جنس عن غيره، وهذا يمكن توظيفه عموما بمبدأ الإباحة بشرط انتفاء الضرر، إضافة للحب الفطري للمسكن، كما تغنى الشعراء بالمنازل والديار والبكاء على الأطلال، ولكن دون جر النصوص لمفهوم حادث، يرتبط بمفاهيم أخرى وقضايا متداخلة في السياسة والحكم.
فمكة كما نص الوحي “للناس” ومن الأفضل لها أن تكون متعالية عن قضايا الخلافات الآنية، ووسخ دهاليز السياسة ومصالحها الذاتية، فلا يملكها مسلم على آخر، فالله سبحانه وتعالى خصها بفضله وباركها وحرّمها، وجعلها خير البقاع مطلقا “وهدى للعالمين”، ومَنح الشرف لمن قدّسها – أيًّا كان جنسه وأصله – كما يريد الله سبحانه وتعالى سواء استوطنها، أو جاورها برهة من الزمن، أو عظّمها بحبها وإجلالها وهو لم يطأ ترابها الطاهر.
إنها شرعا وقدرا ليس لها مثيل على المعمورة!
فالأوطان تتجدد وتختفي ولا يحدث أي أمر في اختلال الكون، ولكن مكة (شرفها الله) إذا تم استئصالها، وتعطيل رسالتها، فهذا يعني نهاية العالم كما ورد في النصوص.
باختصار: هي مدينة الله.. وملك لله.. ومأرز الإيمان.. ومقصدا لعباده المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها.
صدقت واصبت .. نعم فلا مقارنة ابدا لان حب مكة نابع جبليا استجابة لدعوة سيدنا ابراهيم حين دعا فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم واما حب الانسان لموطنه الذي ولد وعاش فيه محبوب بلاشك ولكنها ليست شرعية وانما هي فطرية