وسط نيران الحروب، والجثث المتناثرة على الطرقات، هربت تلك الطفلة ذات الخمس سنوات مع عائلتها لتهاجر إلى أكثر دول العالم تقدماً وازدهاراً، نشأت في بلدها الأم (البوسنة) ولكن اندلاع الحرب فيها عام ١٩٩٢م لم يمهلها كثيراً لتعيش في أحضان موطنها الغالي، فهاجرت لتستقر في السويد .. اجتمع عليها الفقر والغربة واختلاف الثقافات والأفكار والديانات ولكنها كانت صامدة قوية واكملت تعليمها حتى تخرجت من جامعة لوند بالحقوق عام ٢٠١٤ وماذا بعد تخرجها؟
شغلت تلك الفتاة منصب وزيرة التعليم ماقبل الجامعي في مملكة السويد برئاسة ستيفان لوفين وكانت تبلغ من العمر ٢٧ عاماً .. لتُصبِح أول وزيرة مسلمة في السويد!
من هي تلك المرأة القوية التي خرجت من بين الدماء والأشلاء لِتصل لمنصب وزيرة للتعليم في دولة أوروبية عظيمة؟
“عايدة هازديلك” .. هل سمعتم عنها؟ وكيف تم إختيار مسلمة لاجئة لمنصب قيادي كبير في بلد أوروبي؟
عُرِفت هازديلك بنشاطها الإجتماعي والتربوي الواسع منذ تخرجها ووضِع اسمها في المرتبة العاشرة بين مائة امرأة مميزة في السويد، كما عُرِفت أيضاً بكفاءتها المهنية والعملية وعطاءها الواسع في المجتمع الأوروبي الجديد الذي احتواها.
تلك امرأة قوية خرجت من بين نيران العدو الغاصب ونجحت وسط غربة ثقافية وفكرية واجتماعية؛ ووصلت للقمة التي تستحقها بكفاءتها وصلابتها.
تساءلت أثناء قراءتي لقصة تلك المرأة العصامية الناجحة ومشوارها المهني والإجتماعي، كيف لو كانت هادزيلك لم تهاجر إلى دولة أوروبية ؟ وكان مصيرها الهجرة إلى دولة عربية مثلاً.. أو بشكل أدق إلى دولة خليجية ! كيف ستكون اليوم وسط الكم الهائل من العنصرية والتعصب القِبَلي المُتشرب في الأعماق حتى إننا نلتمسه في الأجيال الجديدة إلا من رَحِم ربي، فهذا له أصل وذلك لا أصل له ! وهذا قِبَلي وذلك “بقايا حجاج” كما يزعمون، وهناك من يضع نفسه موضع القاضي ليصدر أحكامه على الآخرين بكل عنصرية وفي حال كان المتهم الذي أمامه كاملاً من ناحية الكفاءة والقدرات يتم إصدار الحكم الجائر عليه كالتالي: ليس له أصل ! ومن المؤكد إن هذا هو حكم الفاشلون ليبرروا لأنفسهم سبب فشلهم بتلك العبارات العنصرية المقيتة،
قال رسولنا صلى الله عليه وسلم صاحب أعرق وأفضل وأرقى نسب (دعوها فإنها مُنتنة) تلك العنصرية وصفها حبيبنا بأبشع الصفات لدناءتها وتأثيرها السلبي على المجتمع الإسلامي، كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم إنه قال ( ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية) فهل حان الوقت لنرتقي بإنسانيتنا وتفكيرنا ونقيِّم الناس بناءاً على أخلاقهم وكفاءاتهم وانجازاتهم !
اختم بمقولة رائعة للواعظ والمناظر الإسلامي أحمد ديدات تجسد لنا المعنى كاملاً (لم يولد الإنسان وهو مُخير بين لونه وصحته ونسبه وغناه وفقره، فإذا لم تحترم الخلق فأحترم الخالق)
لا يهمنا من تكون، ماهي ديانتك، ماهو مذهبك، إلى أي قبيلة تنتمي، الذي يهمنا هو خُلُقك .. هو رصيدك في الحياة.. أما البقية فهي لك وليست لنا.
0