سيبقى الخامس من (نوفمبر) في ذاكرة الأيّام حيّاً ما تتالت الأجيال، فما جرى فيه يستعصي على الحدوث في أي مكان آخر، ولا ريبَ في ذلك، فنحنُ في وطنٍ هو أبو الأوطان، والأحرى بنا أن يظل شامخاً بإبداعه على مر الزمان.
لم يكن ما صدرَ من قرارات مَلَكيّة بإعلان بدءِ حملةِ التطهير ضدّ المفسدين بدءاً برأس الهرم أمراً وهمياً أو دعائياً كما كان يحدث، بل جاءت الحملة مزلزلةً كُلَّ كيانٍ مارسَ الفسادَ والإفساد، وتلاعبَ بمُقدّرات الوطن بلا وازع. وما أثلجَ صَدْرَ المُواطن، وبعثَ في نفسه الأملَ الكبير في المستقبل الواعد الّذي كان ينتظره منذ زمنٍ هو أنّ القيادة ستَتعقّبُ المفسدين، وستكشفهم للمواطنين، لا يثنيها عن ذلك أيُّ اعتبار لاسم أو منصب، وقد ظهرتْ قائمةٌ أوّليّة على وسائل الإعلام الرسميّة، شملتْ أسماءً كان المواطن يرى استحالةَ التشهير بها لِمَا تتمتع به من خصوصيةٍ وحظوةٍ عند القيادة، وظنّ أنّها ستكون خارج إطار المساءلة، لكنّهُ حقّاً نبأٌ عظيم أنْ يَتِمَّ الكشفُ عن العشرات ممّن تقزّمت ضمائرهم، وتضخّمت جيوبهم من أعمال السلب والنهب المستتر لخيرات الوطن، ظنّاً منهم أنّ الزمان قد توقّف لمصلحتهم، وأنه لن يأتي اليوم الذي سيكونون فيه سواسيةً أمام القائد الأعلى الذي لا يخشى في الله لومةَ لائم.
ولا يكاد المواطن يُصدِّقُ عينيه، وهو يقرأ قائمة الفساد التي كان يقرؤها قبل أيام بوصفها قائمة رجال الدولة النزيهين ورُوّاد الأعمال الوطنيّين، وما أثلجَ صدرَهُ أن القرار جاءَ في خطوات إجرائية متكاملة وحازمة، تزامنت مع التنفيذ بلا تسويفٍ أو تأجيل، لا كما حدث في قرارات سابقة غير جادة، فالتشهيرُ بالمفسدين من أيّ نوع وأيّ درجة يُحقِّقُ هدفَينِ مُهمَّين: الأوّل رَدْعُ أيّ مواطن عن التفكير في مُنزلَقٍ من هذا النوع أيّاً كانت صفتُه، والثاني أنهُ يُعيدُ إلى المواطن ثقتَهُ بقيادته وبأنّها معه قلباً وقالباً في السّرّاء والضّرّاء.
إنها ثورةٌ بيضاءُ نزيهةٌ، ليس فيها للنفوس حظوة، فمهندسها قائدٌ همامٌ لا يخشى في الله لومة لائم، وهدفها تحقيق العدالة المبنيّة على عدالة الإسلام في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد كان من قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد)، وباعثها ما نال هذه البلاد المباركة ومواطنيها من أضرار جسيمة لا تحتملها أيُّ قيادة سياسية شجاعة وطموحة.
وختاماً أُوجِّهُ كلمتي إليَّ وإلى كُلِّ مواطنٍ يتمنّى الخير للوطن: إنّ الأمنياتِ ما لم يُصاحِبْها العملُ، فهي {كسرابٍ بقيعةٍ يحسبُهُ الظمآنُ ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً}.
فَلْنَحرِصْ على ألّا ننشغل بما سيحدث فهو لم يحدث بعدُ، ولا بما حدثَ فقد حدث، ولْنتنافس في مقدّمة صفوف البناء والعطاء كي نستحقّ ثقة القيادة واحترام الأجيال.
لقد راهنتْ علينا القيادةُ، وسبقتْنا بالتشمير، فلنُشمِّرْ، ولْنَحمِلْ معها الحجر.