رحل عن عالمنا إلى الدار الآخرة شاعر الوطن المبدع الشاعر إبراهيم خفاجي، رحل هذا العملاق بعد رحلة طويلة من العطاء والإبداع كتب فيها أكثر من ألف قصيدة تنوعت في مضامينها ومفرداتها وسافرت في بحور الشعر مجسدة في صورة فريدة رونق الأدب السعودي المعاصر مظهرة العمق الأدبي والمعرفي لأديبنا الراحل، فعندما يكتب إبراهيم خفاجي يأسر القلوب والأسماع، كلماته البسيطة في ظاهرها العميقة في معانيها الثرية في صورها وأفكارها والجزالة في مفرداتها، تنساب عذوبة ورقة، عندما يكتب الخفاجي لا يكتب للغناء وإثراء الساحة الفنية بكلماته الرصينة ومشاعره المتدفقة وصور الشعرية الفريدة فحسب، بل إن شاعرنا الخفاجي يتعدى ذلك الهدف ليكتب قصائده لأغراض أخرى منها الإصلاح بين المتخاصمين في صورة إنسانية بديعة أشارت إلى حقيقة نفس وروح هذا المبدع الإنسان الذي عزّ عليه أن يكون هناك سوء تفاهم بين العملاقين الراحلين طلال مداح وطارق عبد الحكيم رحمهما الله، ليكتب كلمات أغنية لنا الله يا خالي من الشوق لتعيد المياه إلى مجاريها بين الأصدقاء، مدركًا لأهمية اتحاد تلك الهامات لتوليد الإبداع الفني الراقي الذي يمثل أنموذجًا فريدًا للفن في وطننا الغالي، كان إبراهيم خفاجي كبيرًا بشعره متألقًا بمشاعره عظيمًا في وطنيته، فعندما يفخر وحق له ذلك أنه من أبناء مكة المكرمة شرفها الله، عندما يصدح بحب نادي الوحدة الذي يجري في عرقه، وهو في ذات الوقت العاشق المتيم بنادي الهلال وشاعره ومشجعه الذي قال فيه إذا لعب الهلال فخبروني فإن الفن منبعه الهلال، إنه بذلك يجسد الوطنية التي تعشق جميع ذرات الوطن بكل أطيافه وألوانه واتجاهاته، وتفخر بجميع إنجازاته بعيدًا عن المناطقية والعرقية والقبلية، مقدمًا درسًا عمليًا لأبناء الوطن مفاده أن المواطنة ليست شعار يُردد بل سلوك يُرى وولاءً وحب للوطن يتجدد. لقد تعدت إبداعات الخفاجي المحلية لتحلق قصائده خارج حدود الوطن لتملأ الدنيا جمالًا، بأصوات عمالقة الفن في العالم العربي أمثال وديع الصافي وكارم محمود، محمد قنديل، نجاة الصغيرة، سميرة توفيق وآخرون غيرهم كثير ممن تغنوا بكلمات الخفاجي المفعمة بالمعاني والأحاسيس.
هذه الهامة الوطنية بأبعادها الإنسانية والمعرفية مكنته من نظم كلمات النشيد الوطني التي جاءت بعمق وعبق الوطن حيث احتوت كل كلمة على استراتيجية رسم مستقبل وطننا الحبيب، ليس وحدة الإبداع اللفظي الذي يتميز به الخفاجي بل إن الابداع الحسي والمشاعر الرقراقة التي تكللت بعمق الإبداع المعرفي جعل كل كلمة في النشيد الوطني قصيدة متكاملة الأركان، تحية حب وتقدير وعرفان لشاعر الوطن، من نردد كلماته كل صباح تلك الكلمات التي كتبها بنبض قلبه قبل مداد قلمه، تلك الكلمات التي تجعلنا مستبشرين بيوم جميل يملأه الإيمان الذي يتغلغل في قلوبنا والفرح الذي يغمر أرواحنا والجد والعمل الذي يكلل أداءنا والطموح الذي لا يفارق أحلامنا.
وداعًا إبراهيم خفاجي سيبقى نبض حرفك حاضرًا في ذاكرة الأجيال، مستحضرًا في قلوبهم معنى الخلود الذي لا يغيب.