إيوان مكة

الفتور المفزع

سِجْنٌ عظيم وبقدرِ سوره الشاهق وأسلاكه الشائكة ، تُطْبِقُ حيطانه الاسمنتية الصلبة على زنازين فارغة تصرصر فيها رياح الشتاء القاسي ،
وسجينان يتجاوران ويفصلهما جدارٌ سميك في ليلة إنفاذ الحكم ..

لايعلمان به أين المساق ؟!
تمر بهما كل الحكايات التي كانا يتبادلانها من خلف جدار ، تعاطفٍ وقسوةٍ وتجاذبٍ وتنافرٍ وبكاءٍ مرير وضحكٍ مدوي ، تناقضٌ بين العدم والمصير ..

لايعلمان بعد هذه الليلة المزدحمة بالفتور الكثيف أيُساقانِ إلى إفراجٍ وعاصفةٍ مُقْبِلةٍ بالحياة أم إلى إعدامٍ ومقصلةٍ تقتلهما بصمت وكأنَّ شيئًا لم يكن ..

أحدهما بقيوده المثقلة ظَلَّ يتمتمُ بكلماتٍ بالرغم من جمودِ مُحيَّاه الذي يبدي خلاف مايُبطن ، وكأنه يرى الموتَ رأي عين ، ويطمع في آمال الحياة ، لكنّه يقفُ على شفير برزخ لم يشعر به رفيقه ..

يرى حبل مشنقة ممددًّا ..
ويرى نافذةً تطلُّ على حديقةٍ خارج السجن ..

كانَ السجّانُ المفزع يصغي للتَّمتمة وبوجهٍ باردٍ محشوًّا بالصقيع ..

سمعه يتمتمُ :
ياقاضي القدر لاتُعيدُ أحدنا إلى زنزانته ،
أطلِقْ سراحنا معًا أو اعدمنا معًا !

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. بروحٍ تسكن الوحشة
    وسجن يبتغي نهشه

    “يبارز في الحشا جُنداً
    أغارت تبتغي عرشَه

    كريمٌ علّم الدنيا
    وأنشزَ روحَها الهشّة

    فلما اشتد ساعدُها
    رمتْهُ وجهّزت نعشَه

    أضاء الجرح ليلته
    فنادمه ولم يخشَه

    فسالت غصة الذكرى
    وحلما لم يشأ نبشه”

    لست كاتب وشاعر فقط .. ولكنك روائي

  2. الحقيقة أن أجمل مافي المقال هو أننا نتعرف من خلاله على العمدة كاتب النثر بجمال العمدة الشاعر العذب تماماً كما قالت السيدة أحلام قطان في تعليقها أننا أمام الكاتب المدهش كما كنا دائما أمام الشاعر المبدع
    حفظك الله ياعمدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى