مباركتنا للانتفاضة الحالية لكوادر حزب المؤتمر الشعبي العام، وتعازينا لمقتل زعيمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، يجب أن لا تنسينا قصة هذا الزواج غير المقدس بين طرفي نقيض.
ففي العلاقات السياسية، كما في الإنسانية هناك دائمًا ما يسمى “تقاطع المصالح” والذي هو أشبه بزواج “المصلحة” يدوم حتى تحقيق الهدف، ثم يعود كل طرف إلى مشروعه ومصالحه الدائمة. وقد لخص رئيس الوزراء البريطاني الأشهر، وينستون تشرتشل، هذا المبدأ بأن لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة في العلاقات الدولية، بل مصالح دائمة. وعلاقة الحوثيين مع الرئيس المغدور مثال لذلك.
ويكفي أن نشير هنا إلى أن ثورة سبتمبر (١٩٦٢) قامت أساسًا ضد الحكم الإمامي الذي تتبناه الحركة الحوثية المنتمية إلى الطائفة “الجارودية” وهي فئة زيدية منبوذة، تحولت في العقود الأخيرة إلى شيعية جعفرية، تؤمن بولاية الفقيه من آل البيت، وتدين بالعبودية لنائب الإمام الغائب في طهران.
في المقابل فإن ثورة سبتمبر، ١٩٦٢م، التي تقوم على مبادئ الجمهورية، وتنبذ الحكم الديني، بدأت بقتل الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين والانقلاب على ابنه الإمام البدر، بعد أيام من توليه الحكم خلفًا لوالده، وبدعمٍ من مصر عبدالناصر والبعث العراقي. وتمكنت في نهاية الستينيات من الانتصار على الملكية الإمامية.
وبسبب هذا التاريخ الدموي قامت ستة حروب بين الحركة التي أنشأها بدر الدين الحوثي وأبنائه من بعده حسين (الذي قتل خلالها) وعبدالملك، بدعم من إيران وقطر، وبين الحكومة اليمنية، انتهت في كل مرة بانتصار الجيش اليمني واتفاقية سلام، سرعان ما تنقضها الحركة بعد استعادة قواها.
رغم هذا التناقض الصارخ في المبدأ والهدف، وهذا الصراع الطويل بين الإمامية والجمهورية، تلاقت المصالح بين العدوين في الإطاحة بالحكومة الشرعية والاستيلاء على السلطة، ثم تقاسمها بصيغة يبدو أنها لم تكن واضحة بما يكفي. فالرئيس السابق كان يريد لابنه العميد ركن أحمد أن يفوز في انتخابات مرتب لها ويتولى الرئاسة، وأن يتم تقاسم الوزارة والجيش والأمن بين الطرفين. ولعله نسي أو تناسى تجاربه السابقة مع الحركة، ونكثها الدائم للعهود، وتجاهل علاقتها العضوية مع إيران. أو ربما استهان بقوتها، وبالغ في تقديره لقواته وخلايا داعش والقاعدة المسيطر عليها، وظن أن باستطاعته الانقلاب على شركائه متى ما أراد.
النتيجة هي ما نشهده اليوم من صراع دموي يتجدد بين أعداء الأمس-حلفاء اليوم، مع تضارب الأجندات، خاصة وقد طال أمد المواجهة مع الحكومة الشرعية والتحالف العربي على نحو لم يكن متوقعًا قبل عاصفة الحزم. فالحوثي يريد لليمن عودة إلى الأمامية، ولكن بنسختها الجديدة، ولاية الفقيه الإيراني، وصالح ومن يدين له بالولاء من القبائل الزيدية وكوادر الحزب لا يقبلون بغير التوليفة التي وازنت بين تراث اليمن القبلي وحاضره الجمهوري. أضف إلى ذلك غياب الثقة في هذا الزواج المصلحي، والخلاف الحاد على تقاسم السلطة والغنائم مع شح الموارد.
نتمنى لهذه الانتفاضة النجاح في تخليص اليمن من مخالب عبيد إيران، والعودة باليمن العربي إلى البيت العربي الخليجي المسلم. ونأمل أن يستفيد الجميع من دروس الماضي، قبل أن نمضي قدمًا إلى بناء يمن سعيد، جديد.
0