طرحت في مقال سابق لي نشر في هذه الصحيفة تحت عنوان:(حول المفهوم الأمني والفكري في إيران)، وقد تحدثت فيه عن هشاشة الدور الأمني في إيران؛ وذلك بعد العملية الإرهابية التي استهدفت مجلس الشورى وناقشت من خلال مقالي آنذاك بعدين, البعد الأمني وكذا البعد الفكري وقلت ما نصه “إن العملية استهدفت أعلى الهرم أو ما يعتبر السقف الأعلى لدى كل الإيرانيين فمن حيث القداسة ضريح الخميني يمثل الرمز الديني، ومن حيث الهيبة والمثابة يمثل مجلس الشورى الرمز السياسي كمؤسسة كبرى تمثل كل أطياف المجتمع الإيراني ومن خلال هذا الفشل الأمني يتضح لنا وبجلاء بعض المفاهيم الأخرى, فدعونا نقف على الأقل أمام هذين المفهومين, فمن الناحية الفكرية والعقائدية نجد أن المجتمع الإيراني في غالبه الأعم فيما يتعلق بضريح الخميني ليس أمام شخصية دينية بالمعنى الروحي للكلمة, وإنما أمام مؤسسة دينية مؤدلجة فقط, ومرتبطة بسلطة سياسية تفرض معاني القداسة لشخصيات معنية, على أن تبقى روح القداسة للسابق كما هو للاحق (المرشد الأعلى), كعقيدة إمامية ووصية اثنى عشرية, لاستمرار الثورة الخمينية التي غالبًا ما تتحسس وباستمرار لتكتيك آخر ضمن حسابات التغيير الداهمة وخصوصًا من الداخل, وتحاول تعزز ذلك بتراتيل طقوسية في الحوزات العلمية من قبل الملالي لترسيخ مفهوم أبعد وهو ولاية الفقيه أملًا في تصدير الثورة إلى الخارج, ويعمم ذلك في الكتاب والخطاب بمفاهيم متجاوزه تعلي من الشأن حد القداسة كمقولة: (قدس الله سره), وهذا ليس بدعاء وإنما اعتقاد بالنقاء الخالص والمعصومية التامة, الأمر الذي يتولد عنه الانقياد التام والتبعية الوثيقة والدائمة لدى الشيعة للمرشد الأعلى, وهنا يتكشف الإلغاء الحقيقي للعقول عكس مفاهيم الذكر الحكيم (أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، بل وحتى الخذلان التام للسمع والبصر والفؤاد ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا).
أما من الناحية الأمنية فإن واقع الحال, وقت الحادثة في طهران خلاف ما يصل إلينا وعكس ما يبث عبر قنواتها الإعلامية, سواء الرسمية أو المأجورة, فقد ظهر الدور الأمني خجولًا جدًا ومتعثرًا, مرتبكًا حد الذهول, والناس غير أبهين بما يحدث, فلم نلمس ضجر المواطنين جراء المواجهة, وكان الأمر لا يعنيهم والموضوع بدا أشبه ما يكون بحالة تشفي في الدولة والأجهزة الأمنية, حيث ظهر الجميع وكأنه ينشد الصراع الداخلي أو الثورة على النظام, وقد شاهدنا ذلك من خلال وسائل الإعلام, وشاهده الجميع, أن جموع من الناس تقف بجوار أسوار مبنى البرلمان ومن جميع جهاته دون وضع سياجات أو حواجز أمنية وكذلك بدت الصور حول الضريح وبطريقة تدرك من خلالها فشل العمل الأمني, فالدراسات الأمنية تشير أن ذلك يعود إلى سوء التنظيم وفقدان لمركز عمليات مشتركة للطوارئ والتدخل السريع كما هو في أقل بلدان العالم قدرة وقوة, ليتسنى للأمن الإمساك بالخيوط الأولية لمعرفة الجناة, ومن ثم الشروع في المتواليات الأمنية وبالتالي معرفة الجهات التي تقف وراء الحادث كمرحلة أولى للشروع في عملية أمنية راصدة لكل الجوانب وهذا يثبت هشاشة الأمن, فقد ظهر الأمن عاجزًا تمامًا عن تطويق المكان مما يؤكد الفشل الأمني الذريع لمعرفة من هم في دائرة الحدث فضلًا عن سواها, كما هو معهود في مثل هذه الظروف من الحوادث الأمنية “هذا ما طرحته في مقالي السابق واليوم هاهي تندلع ثورة كبرى في أغلب المدن الإيرانية دون تنظيم فلا يقف خلف هذه الثورة شخصيات معينة، ولكن الشعب الإيراني أدرك همجية وفوضى الملالي في إدارة الدولة وكذا العبث في المنطقة والتدخلات غير المنطقية، وفي كل الاتجاهات المختلفة, وأن ما توظفه من أبعاد أيديولوجية هو العمى بعينه وأنه امتهان للإنسان وتغييبه في عوالم السفه والجهل على أمل خروج الإمام الغائب من السرداب، فالدولة قائمة على فكرة مركزية واحدة ولاية الفقيه المتمثلة في شخص المرشد الأعلى وهذه الشخصية يجب أن تتبع وتطاع, إلى مرحلة إلغاء عقول الآخرين تمامًا باعتبار أن المرشد هو الدين نفسه، وقد اكتسب هذه القداسة من مراحل مر بها لا تتحقق لغيره من الناس, وعلى الجميع أن يستجيبوا لندائه وقراراته دون تردد, هذا الصبر تولد عنه انفجار الشعب الإيراني فقد تخطى كل الحواجز التي فرضت عليه مفاهيميًا في العقول منذ قيام الثورة الخمينية, حتى إن الشعب الثائر بات يطالب بإسقاط النظام وباحتداد تام نظرا لما مر به من مآسٍ كثيرة وكبيرة, ما يعني أن الأمور تكشفت تمامًا للمواطن الإيراني وانبجس له فجر جديد بعد أن أرخى الظلام سدوله لأكثر من ثلاثة عقود من عمر الزمن فالشعب لم يعد كما هو في السابق يُقاد بأغلال إلى غي وضلال, هذا الحاجز الذي تخطاه الإيرانيون لم يكن مصادفة بل مر بنكبات وعثرات في الفترة الماضية أيقن من خلاله بقادم أسوأ, فمن خلال الممارسات الماضية تأكد للشعب تخبط الدولة إن صح هذا التعبير لأن مفهوم الدولة أكبر من أن يختصر في شخص المرشد الأعلى, حتى إنها غدت تكرس كل جهودها للخارج لغايات غير مفهومة ولا معلومة للشعب الإيراني, وهذه النزاعات والحروب والفوضى التي تنشدها لم يتحقق منها إلا سنوات من الحصار وضياع التنمية في الداخل وتجويع الشعب بدعوات واهية وواهمة لن تتحقق على الإطلاق, وأن المحاولات اليائسة لتصدير الثورة هي التي زادت من عزلت إيران وحتى بغضها من العالم كله فضلًا عن الدول العربية والإسلامية, وأن محاولاتها البائسة في دعم الفوضى وزعزعة الأمن في بعض العواصم العربية هي من جلب لها ثورة الجياع التي تقف الآن على قدم وساق، وكما يقال:(جنت على نفسها براقش) وبالمناسبة براقش كما هو معروف هي كلبة نبحت على البعيد فتكشف أمرها وقتلت من قرب فأصبح ما وقع بها مثلًا سائرًا بين الناس وتردده العرب وسمعناه هذه الأيام من عرب الأحواز, تلك هي إيران براقش هذا العصر نبحت لفوضي في الوطن العربي فوقعت في شرك نباحها وحتمًا هذا المنعطف الذي دخلت فيه إيران لن تخرج منه على الإطلاق إلا بسقوط نظام ولاية الفقيه، وهذا ما تراه بعض المراكز المتخصصة في الشأن الإيراني كون هذا المطلب لم يعهد عليه الشعب الإيراني من قبل الأمر الذي ينذر بتغير قادم لا محالة لكل السياسات الإيرانية في الداخل والخارج بعد أن ضاق الشعب ضرعًا من ممارسات الملالي طوال السنوات الماضية، وبعد أن تحررت عقولهم قبل نفوسهم من ظلام الملالي هو ذاك بحد ذاته تغير جذري لقادم أفضل يسعد الأمة الإيرانية، ويعيد لها وهج إسهاماتها في الحضارة الإنسانية، ولتنطلق من جديد وبقوة في كل مظاهر وشؤون الحياة لأن تحرر الشعب الإيراني من ظلام الولاية هو بالضرورة تهاوي للملالي تباعًا وعند ذلك فقط سيكون انطلاقة إيران الشعب نحو كل آفاق الحياة، ومن ثم الأخذ بأسباب التقدم والرقي، والمضي قدما نحو الاستقرار والرخاء والعيش الكريم .. وإلى لقاء
ماجستير في الأدب والنقد
2
مقال في الصميم الله يعطيك العافية ويقويك ويكثر من أمثالك المخلصين للدين ثم الوطن والمليك …دائما مقالاتك ما تتسم بالصراح والوضوح .
مقال في الصميم الله يعطيك العافية ويقويك ويكثر من أمثالك المخلصين للدين ثم الوطن والمليك …دائما مقالاتك ما تتسم بالصراحة والوضوح .