المقالات

مراحل الحياة

نضيع في سماء أنفسنا بحثا عن هويتنا ونحاول أن نصنع الكثير في شبابنا، ففي مقتبل عمرنا ننظر لأنفسنا وكأننا نستطيع أن نهدم جدارا ونقيم آخر دون مساعدة أو مشورة .. في مقتبل عمرنا ننظر إلى مستقبلنا وكأنه بأيدينا ولسان حالنا يقول إننا من سيختار، وبالتالي سنختار بشكل صحيح وإن من لم ينجح في حياته فقد أساء الاختيار، أما أنا فلن أخطئ الاختيار لأني أعرف ما أريد..
في مقتبل عمرنا لا نقف لنفكر وإنما نُقدِم على تلبية رغباتنا، إن نجحنا افتخرنا وعلا رأسنا وإن أخفقنا قد نبحث عمن نلومه ولكن الأكيد أننا سنبدأ من جديد. ونحن هنا ننتقل من خيبة إلى نجاح ومن نجاح إلى خيبة فليس لدينا ما نخسره.
في مقتبل العمر كل شيء قوي إن كانت الفرص أو الاختيار أو القرار، لا يوجد للضعف مكان. لذا سمي تهور الشباب وفي الحقيقة التهور فيه الكثير من الفوائد فقد تكون فيه فكرة مجنونة تتحول إلى سبق وحدث جديد، وقد يكون فيه تجربة ناجحة غير مسبوقه أو مسبوقة ولكن بمواصفات أخرى.
ثم فجأة وبسرعة ننتقل من مقتبل العمر وتهور الشباب إلى فترة الهدوء، وهي مرحلة الاستقرار وعادة ما تكون بين 35-50 سنة فيها نحصد جميع النجاحات في حياتنا أو الخيبات وفيها نكون قد وصلنا لمرحلة التفكير قبل التنفيذ واتخاذ القرار وبدأنا بمراعاة اعتبارات أخرى وأصبحت السمة لهذه المرحلة الهدوء والتفكير العميق والقرار المدروس. وعندما ينظر الشباب إلى الأشخاص في هذه المرحلة يرون أنهم بطيئون يستغرقون الوقت الطويل في التفكير وتأخر اتخاذ القرار، ولسان حالهم يقول لما التفكير الكثير والبطيء في التصرف واتخاذ القرار؟؟
ولا يعلمون أنهم يومًا ما سيصلون إلى هذه المرحلة.
تنتهي مرحلة الشباب وكذلك مرحلة الهدوء وبسرعة ننتقل إلى مرحلة الاستكانة والحكمة والتأمل.. لا نعرف لماذا نصل إلى هذه المرحلة، قد يكون السبب هو وجود كثير من المتغيرات والمواقف التي مرت علينا وتركت فينا أثر .. فنحن لن نصل إلى هذه المرحلة ما لم نؤثر ونتأثر بأحداثٍ مرت بحياتنا لتترك ندوبها وعلامتها علينا.
لماذا نحن أقوياء ومتهورون في مرحلة مقتبل العمر؟؟
لأن في هذه المرحلة لا يوجد لدينا ما نخسره ولأننا نحاول أن نضع بصمتنا بين زحمة البصمات حتى وإن كانت صغيرة أو يوجد ما يشبهها المهم أن نضع البصمة. ولأننا ببساطة نجري ونهرول ونمشي معا
أما في مرحلة الهدوء والاستقرار فنحن نحاول بعد أن وضعنا بصمتنا وسط الزحمة أن نقوي أساس بنياننا ونعليه أكثر ونوسع المجال لبصمتنا لتأخذ حيزا كبر وقد نحاول أن نجعلها الوحيدة في مكانها. لذا ففي هذه المرحلة نحن نهرول ونمشي معًا، حتى يستمر البنيان بهدوء في الارتفاع، ولكننا أبدًا لا نجري، فقد أصبح لدينا ما نخاف عليه من الوقوع أو التأخر أو التخلف عن الآخرين –فنحن نبني التاريخ-.
أما في مرحلة الحكمة فنحن نحافظ على ما بنيناه لا يمكننا النظر للخلف أو النزول للأسفل ولا يسعفنا الوقت للارتفاع أكثر ولكننا يمكن أن نمشي بهدوء وقد نجلس بين فترة وأخرى في سبيل الحفاظ على ما جنيناه فنحن هنا لدينا الكثير، وقد أصبح لدينا تاريخ نخاف عليه ونستنبط منه.
في النهاية هذه هي الحياة مراحل تختلف وتلتقي، تختلف بالمحيط والزمن والمكان والرؤية، وتلتقي فينا نحن. المهم في هذه المراحل جميعها أن يكون لدينا هدفًا مقرونا بهمةِ قويةِ ومناسبة لمرحلةِ حياتنا التي نعيشها، وبعدها تنقل ما شئت بين هذه المراحل دون تردد ففي كل مرحلة جمال لا يضاهيه جمال وتأكد أن تستمتع بها جميعًا ولكن لا تجعل من أحدها نهاية، بل دائمًا اجعل من كل مرحلة بداية لشيء جديد.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button